بعد أربعة أشهر من الحرب في غزة، تتجلى حاجة الأطفال الشديدة للرعاية الصحية في طابور طويل يقف فيه آباء يستبد بهم القلق على صغارهم وهم ينتظرون خارج خيمة طبيب الأطفال رجاء عكاشة، وهو فلسطيني نازح أيضا، مثل الأطفال وآبائهم.
ويعمل عكاشة طوال اليوم في خيمة نصبها لتكون مركزا طبيا مجانيا للأطفال في الجزء الذي يقيم فيه بمدينة رفح حيث يبذل كل ما في وسعه ليقدم الخدمة إلى عدد غير معلوم من الأطفال المرضى والجرحى الذين يعيشون في حرب جعلت جميع سكان قطاع غزة تقريبا بلا مأوى.
وعكاشة نفسه بلا مأوى بعد فراره من منزله في بيت حانون، المكان الأول الذي استهدفه الهجوم البري الإسرائيلي، ومثل غالبية سكان غزة انتهى به المطاف في رفح على الحدود مع مصر.
وقال عكاشة: "بسبب الحرب وانهيار النظام الصحي وعدم توافر مستشفيات وأي مراكز صحية في المخيم اللي أنا عايش فيه تقريبا أشوف كل يوم من 20 إلى 30 طفل مرضى... قررت أفتح الخيمة الطبية لعلاج الأطفال وأوفر لهم خدمة مجانية وكل هذا كان السبب الأول أني بحب الأطفال فعليا وكان نابع من جواتي (داخلي) أن أنا أما أشوف طفل لازم أقدم خدمة العلاج له وأحاول أساعده".
وأدى الهجوم الجوي والبري الذي شنه الجيش الإسرائيلي على غزة بعد ذاك إلى مقتل أكثر من 28 ألف فلسطيني، حسبما تقول السلطات الصحية في القطاع الذي تديره حماس وتسبب في دمار هائل وكارثة إنسانية.
وبينما كان عكاشة يفحص طفلا يصرخ ويتألم، امتد طابور طويل جدا من الآباء الذين جاءوا بأطفالهم المرضى.
وقالت إسرائيل إنها تخطط لتوسيع حملتها العسكرية لتشمل رفح حيث يتكدس أكثر من مليون نازح، مما دفع وكالات الإغاثة إلى التحذير من أن الهجوم على المدينة قد يتسبب في كارثة تامة.
المرض واسع الانتشار في غزة
يرتدي عكاشة ثوب الطبيب الأزرق ويضع سماعة الطبيب حول رقبته، ويمارس عمله بما لديه من أدوات قليلة حصل عليها بفضل التبرعات.
وقال عكاشة: "بالنسبة للأمراض اللي أنا بشوفها. الأمراض منتشرة بشكل مخيف بين الأطفال خصوصا النزلات المعوية والالتهابات الفيروسية والتهابات الجهاز التنفسي بسبب البرد. فيه ناس هنا بيجيبوا لي أطفال مش لابسين ثياب... لابسين بس قطعة واحدة... الناس طالعة من دورها (بيوتها) مش لابسة إشي. (هناك) انتشار الكبد الوبائي... هذا الالتهاب أصبح منتشر بشكل مخيف بين الأطفال حسب وزارة الصحة الفلسطينية فإن الالتهاب الكبدي الوبائي أصبح وباء منتشرا لأن من 70 إلى 80 في المئة من الأطفال أقل من 13 سنة أصيبوا فيه، وهذا كله ليش؟ بسبب قلة النضافة (النظافة) انعدام النضافة مش قلة النضافة وشرب المياه المالحة وعدم توافر الغذاء الصحي بسبب المخيمات هناك انتشار للعدوى".
وليست مشكلة عكاشة أنه يعمل من خيمة وليس لديه إلا القليل من الأجهزة الطبية فحسب بل يجد صعوبة أيضا في توفير العقاقير.
وأضاف: "كتير جدا بعاني من شح الأدوية (العقاقير) لأنه بشكل عام قطاع غزة مفيش أدوية بتدخل، بنعاني من نقص في الأدوية، أنا شغال في مستشفى، فيش عندي أكامول بيجي الطفل درجة حرارته 40 وفيش أكامول نعطيه للطفل... أنا بحاول أوفر الأدوية بمجهودي الشخصي، بحاول ألف على كل الصيدليات وأحاول أسأل... عشان أقدر أوفر الأدوية هادي".
وقال أحد الآباء ويدعى أحمد العمودي وهو يحمل ابنه الذي يبكي: "اللي جابني هنا إن ابني مريض جدا بيعاني من سخونة وإسهال بفعل أننا بنعيش ظروف صعبة جدا بسبب الحرب وانعدام النضافة وانعدام الطعام والشراب الصحي وانعدام الغطاء ليلا... انعدام سبل النضافة والراحة للأطفال... بفعل الحرب، لا فيه علاج ولا فيه أماكن نتعالج فيها، حتى اللي نتعالج فيها فيها الدور والدور (الطابور) بنقعد بالساعات لما نوصله (الدور) ومش كل الأدوية متوافرة، الأدوية المتوافرة مسكنات وخافض للحرارة فقط".
وتوقفت معظم مستشفيات غزة عن العمل، وتضرر بعضها بسبب القصف الإسرائيلي، وما زالت المستشفيات تعمل تحت ضغط متزايد مع اقتراب القوات الإسرائيلية. وتقول إسرائيل إن حماس تستخدم هذه المنشآت كغطاء لأغراض عسكرية، وهو ما تنفيه الحركة.