انتشر الجيش اللبناني السبت في محطات الوقود وسط نقص حاد في المحروقات، فيما تمسك حاكم مصرف لبنان المركزي برفضه إعادة الدعم لاستيراد المحروقات رغم اشتداد الأزمة التي حملت أحد المستشفيات الكبرى على التحذير من "كارثة وشيكة".
أعلن مصرف لبنان منذ الخميس بدء استيراد المحروقات التي كانت من بين المواد المدعومة، وفق سعر الصرف في السوق السوداء الذي يتجاوز عشرين ألفاً بينما السعر الرسمي مثبت على 1507 ليرات، ما يعني رفع الدعم عن هذه المواد الحيوية.
وقال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة السبت خلال مقابلة مع إذاعة "لبنان الحر" المحلية، "لن أتراجع عن رفع الدعم على المحروقات إلا في حال تشريع استخدام الاحتياط الإلزامي"، وهو نسبة مئوية تودعها المصارف الخاصة لدى المصرف المركزي مقابل ودائعها بالعملة الأجنبية ويمنع القانون المسّ بها.
وبعدما كان الاحتياط الإلزامي يتجاوز 30 مليار دولار قبل الأزمة المتمادية منذ العام 2019، قدّر سلامة الاحتياطي الإلزامي المتبقي بنحو 14 مليار دولار، إضافة الى 20 مليار دولار كموجودات خارجية.
ومنذ الأربعاء، أعلن مصرف لبنان أنه سيبدأ دفع اعتمادات شراء المحروقات وفق سعر الصرف في السوق السوداء، ما يعني عملياً رفع السلطات الدعم عن استيراد هذه المواد الحيوية، ما سينعكس ارتفاعاً قياسياً في أسعارها.
وبسبب أزمة المحروقات وغياب الصيانة والبنى التحتية، تراجعت تدريجاً خلال الأشهر الماضية قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على توفير التغذية، ما أدى الى رفع ساعات التقنين لتتجاوز 22 ساعة يومياً.
ولم تعد المولدات الخاصة قادرة على تأمين المازوت اللازم لتغطية ساعات انقطاع الكهرباء، ما اضطرها أيضاً إلى التقنين ورفع تعرفتها بشكل كبيرة جراء شراء المازوت من السوق السوداء.
وحذر مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت السبت من "كارثة وشيكة" مشيرا إلى أنه سيضطر إلى "الإغلاق القسري ... اعتبارا من صباح الإثنين نتيجة انقطاع الوقود".
وأكد في بيان أنه "سيموت على الفور أربعون مريضًا بالغًا وخمسة عشر طفلاً يعيشون على أجهزة التنفس. مئة وثمانون شخصًا يعانون من الفشل الكلوي سيموتون بالتسمم بعد أيام قليلة من دون غسيل الكلى. وسيموت المئات من مرضى السرطان، البالغين منهم والأطفال، في الأسابيع والأشهر القليلة اللاحقة من دون علاج مناسب".
ويشهد لبنان أزمة اقتصادية حادة صنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، واستنزف الانهيار المتسارع احتياطي الدولار لدى المصرف المركزي على وقع فقدان الليرة أكثر من تسعين في المئة من قيمتها.
ويعاني البلد منذ أسابيع طويلة من نقص في المحروقات ينعكس سلباً على قدرة المرافق العامة والمؤسسات الخاصة وحتى المستشفيات على تقديم خدماتها.
وأثار قرار رفع الدعم عن المحروقات غضب اللبنانيين الذين أقدم عدد منهم على قطع طرق احتجاجاً، باعتبار أن هذا القرار من شانه أن يرفع الأسعار بنسبة تفوق 300 في المئة.
ورد سلامة على الانتقادات السياسية لقرار رفع الدعم مؤكدا أن "جميع المعنيين كانوا يعلمون بالقرار" ودعاهم "بدل القيام بهذه المسرحية" إلى تشريع قانون "يموّل الاستيراد من الاحتياطي الالزامي".
تدخل الجيش
تشكلت صفوف انتظار طويلة جدا أمام محطات الوقود فيما اعترض مواطنون غاضبون صهاريج الوقود في بعض المناطق، وفق ما أفادت وسائل إعلام محلية.
وأعلن الجيش أنه باشر "عمليات دهم محطات الوقود ومصادرة الكميات المخزنة من مادة البنزين".
وأفاد عن "مصادرة 25500 ليتر من مادة البنزين المخزنة في احدى المحطات في بلدة بوارج و 53000 ليتر من محطة في ضهر البيدر"، كما أشار إلى "توزع 57000 ليتر من مادة المازوت التي تمت مصادرتها من محطة في بلدة لالا - البقاع الغربي على المولدات والمشاريع الزراعية بحسب التسعيرة الرسمية".
ونشر الجيش على مواقع التواصل الاجتماعي صورا يظهر فيها جنود يوزعون بأنفسهم البنزين على السيارات في محطات وقود.
وكان الجيش أكد في بيان أن وحداته "ستصادر كل كميات البنزين التي يتمّ ضبطها مخزّنة في هذه المحطات على ان يُصار الى توزيعها مباشرة على المواطن دون بدل.
كذلك أعلنت قوى الأمن الداخلي أنها "لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام ما يعانيه المواطن" مؤكدة أن "بعض محطات المحروقات تقوم باحتكار المواد وتمتنع عن تزويد المواطن بها لأسباب عدة".
وأكدت أنها "ستقوم بتوجيه دوريات لمراقبة مخزون المحطات" محذرة بأنه "إن تم التأكد من أن مخزون المحطات كاف وقابل للتوزيع ... سنعمد إلى توزيعها بالطريقة التي نراها مناسبة".
وانتقد سلامة مستوردي وموزعي الوقود، في وقت يربط مسؤولون الأزمة الراهنة بعاملين رئيسيين هما مبادرة تجار وأصحاب المحطات الى تخزين الوقود بانتظار رفع الأسعار، وتنامي التهريب إلى سوريا المجاورة.
وقال سلامة "من غير المقبول أن نستورد 820 مليون دولار للمحروقات ولا نرى لا مازوت ولا بنزين ولا كهرباء".
وأكد أن "التجار هم المسؤولون عن صرف البضائع بشكل غير منطقي" مضيفا "كنا نتوقع ان نستعمل الـ820 مليون دولار لـ3 اشهر لا لشهر واحد فقط".
وتنتقد جهات سياسية بشكل حاد السياسات النقدية التي اعتمدها سلامة الموجود في منصبه منذ العام 1993، باعتبار أنّها راكمت الديون. إلا أن سلامة دافع مراراً عن نفسه قائلا إن المصرف المركزي "موّل الدولة ولكنه لم يصرف الأموال".
وفتح القضاء اللبناني في نيسان/أبريل تحقيقاً محلياً بشأن ثروة سلامة ومصدرها بعد استهدافه بتحقيق في سويسرا للاشتباه بتورطه في قضايا اختلاس، قبل أن يُستهدف أيضاً بتحقيق في فرنسا وشكوى في بريطانيا.
أ ف ب