تبدو ظاهرة المؤثرين في التواصل الاجتماعي في العراق، لا سيما من يُعرفن بـ"البلوغرات"، أبعد بكثير من حدود الفتيات والنساء المهتمات بآخر الموضة وحب الظهور والكسب من إعلانات وسائل التواصل الاجتماعي.
وفجّر مقتل "البلوغر" المعروفة باسم "أم فهد"، كل الأسئلة والشكوك المتداولة محلياً حول حدود وتأثير الظاهرة على الفضاء السياسي والأمني في البلاد، وأعادت إلى الأذهان الحديث عن "التصفيات الجسدية" التي ترتبط عادةً بـ"انتهاء الأدوار" أو "الخطر وكشف الأسرار" الذي يجب وضع حد لها.
النظام الأمني والسياسي
صارت هذه الظاهرة بنظر قطاعات واسعة من العراقيين مرتبطةً بشخصيات نافذة في النظام السياسي والأمني بحكم ما يقال إنها علاقات "تخادم" تربط بعضهم بتلك النساء والفتيات، والتأثير الذي يملكنه على بعض أصحاب النفوذ والقوة.
غير أن هذه العلاقات لم تكن على طول الخط بـ"مأمن" من التقلبات الحادة والمميتة، في حال أخل أو تهاون أحدُ طرفي العلاقة بشروط "التخادم" ومساحتها، خصوصاً إذا ما استُغلت تلك العلاقة في "خدمة" خصوم محتملين لهذه الشخصية السياسية أو الأمنية أو تلك.
وباتت العلاقة بين "البلوغر" والشخصية النافذة مثار تهكم وانتقاد كثيرين لما بات يُعرف بـ"العالم المظلم"، وقد كتب المدون ومقدم البرامج في قناة "العراقية" الرسمية، صالح الحمداني، عبر منصة "إكس": "نحن بحاجة لمذكرة تفاهم لفك الارتباط بين الضباط و(الفاينيستات)"، في إشارة للمؤثرات في مواقع التواصل.
كيف تم الاغتيال؟
وقُتلت "أم فهد" أمام منزلها في حي زيونة الراقي شرق بغداد، وأظهر "فيديو" متداول القاتل الذي يستقل دراجةً ناريةً وهو يتوجه إلى الضحية أثناء صعودها سيارتها، كما يظهره وهو يقوم بجمع "الظروف الفارغة" لإطلاقات من مسدسه الكاتم من مسرح الجريمة، في دلالة على "احترافه" عمليات الاغتيال، حسب كثيرين.
ويتردد على نطاق واسع أن الجاني صادر هاتفها المحمول الشخصي الذي يعتقد أن يضم مجموعة أفلام وصور لشخصيات سياسية وأمنية نافذة، لكن من الصعب التحقق من ذلك بينما تقول السلطات إن القضية لا تزال قيد التحقيق.
قاتل "أم فهد" يطلق الرصاص من مسدس كاتم عليها داخل سيارتها (لقطة شاشة من كاميرا مراقبة)
وطوال سنوات، ظهرت "أم فهد" عبر منصاتها في التواصل الاجتماعي وهي تعرض مجوهرات وسيارات فارهة، كما كانت تشارك جمهورها لقطات من مطاعم النخبة ومناسبات عامة.
وتناقل مدونون صورة لشخص قيل إنه المنفذ لعملية الاغتيال، فيما لم يَصدر عن وزارة الداخلية بيان يؤكد ذلك، لكنها أعلنت تشكيل فريق عمل مختص لـ"معرفة ملابسات مقتل امرأة معروفة على مواقع التواصل الاجتماعي على يد مجهولين في منطقة زيونة بالعاصمة بغداد".
وقال أحد المصادر الذين كانت لهم صلة بالتحقيق في مقتل "الموديل" تارة فارس في أيلول/ سبتمبر 2018، إن "التحقيق بهذا النوع من الجرائم يصل إلى عتبة محددة، ثم تأتي الأوامر من الجهات العليا ويغلق إلى الأبد".
وأضاف المصدر أن "معظم النساء الموصوفات على هذا النحو يرتبطن بعلاقات مع ضباط كبار وأشخاص نافذين لا يسمحون بتجاوز التحقيقات بمقتلهن خطوطاً حمر كان قد وضعوها".
وكتب المحلل والصحافي فلاح المشعل في تدوينة عبر "إكس": "بدأت تصفية البلوغرات بعد أن بدأت الفضائح تتكشف عن أسماء عديدة سقطت في شباكهن، وبينهم رؤوس كبيرة من المسؤولين والسياسيين".
تأثير على أصحاب القرار
وصار شائعاً منذ سنوات، وعلى المستوى الشعبي، أن "بلوغرات" لهن القدرة على التأثير في "صناعة القرارات" مثلما لهن القدرة على إيقافها بالنظر لتأثيرهن الشديد على أصحاب القرار.
وجاءت عملية اغتيال "أم فهد"، بعد أيام من خلاف مع العارضة داليا نعيم، المعروفة هي الأخرى على مواقع التواصل الاجتماعي، وظهرت "أم فهد" خلال "فيديو" وهي تهدد بفضح نعيم من خلالها نشرها صوراً تجمعها مع مسؤول الإعلام والعلاقات وحملة محاربة "المحتوى الهابط" في وزارة الداخلية اللواء سعد معن، ما دفع وزارة الداخلية إلى إجراء تحقيقات في ذلك، أعقبها إعفاء اللواء معن وضباط آخرين لهم صلة بشبكات "ابتزاز" بالتعاون مع مجموعات "بلوغرات وفاشينستات".
وأعلن الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء يحيى رسول، في 20 آذار/ مارس الماضي، "التوصل إلى عناصر شبكة داخل المؤسسة الأمنية تعمل على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي (صفحات بأسماء مستعارة) لابتزاز المؤسسة الأمنية والإساءة إلى رموزها".
كانت "أم فهد" أُودعت السجن في كانون الثاني/ يناير 2023، بتهمة المحتوى الهابط قبل أن تخرج وتمارس عملها المعتاد بعد بضعة أسابيع.
أزمة "أم اللول"
وقبل مقتل "أم فهد" بأيام قليلة (الثلاثاء الماضي) تفجرت أزمة الراقصة الاستعراضية المعروفة بـ"أم اللول"، حين تداول كثيرون خبر حصولها على جواز سفر دبلوماسي، ما دفع وزارة الداخلية إلى نفي ذلك، وقال الناطق باسم الداخلية وخلية الإعلام الأمني العميد مقداد ميري، في بيان، إن "مديرية الأحوال المدنية والجوازات والإقامة لم تمنح أي جواز دبلوماسي أو خاص أو خدمة للمدعوة (أم اللول)".
وأشار ميري إلى أنه "لم يصل من وزارة الخارجية العراقية أي كتاب بهذا الشأن".
وأصدر القضاء، الأسبوع الماضي، حكماً بالسجن البسيط لمدة 4 أشهر على "أم اللول" بعد ضجة الجواز الدبلوماسي، وقال القضاء إن "الحكم صدر بتهمة المحتوى الهابط عن جريمة صناعة ونشر عدة صور وأفلام تتضمن أقوالاً فاحشةً ومخلةً بالآداب".