تتسابق الأصوات المحللة والمحققة في الإعلام العربي لنشر تقارير حول كيفية حصول الحروب المقبلة وعلى أية ساحة من الساحات. وتتسابق هذه الروايات منذ اندلاع حرب غزة بعد "غزوة النقب"، فتنقلت التحليلات من جهة إلى أخرى وتراكضت معها التنبؤات، منها ما تحقق ومنها ما لم يتحقق، فمن حرب الحوثيين إلى "حزب الله"، فـ"الحشد الشعبي" وسائر الميليشيات الإيرانية والمواجهات مع إسرائيل.
ومن بين المواجهات التي تم التنظير حولها كثيراً هي سيناريوهات حرب محتملة بين إسرائيل و"حزب الله" على الجبهتين اللبنانية والسورية، وسُجل تصاعد في الكلام عن احتمال، وبعضهم تكلم عن قرب الحتمية، هجوم موسع من قبل القوات الإسرائيلية على عمق الحزب في البلدين. وما دفع الصحافة في هذا الاتجاه هو تكاثر التقارير من الجهة الاسرائيلية حول حشود على جبهتها الشمالية ونقل قوات من غزة إلى الجليل، وتوعد بضرب الميليشيات بمنعها من شن أي هجوم مثيل لما فعلته حركة "حماس" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. ولكن السؤال غير المناقش كثيراً يدور حول الحد التي ستذهب إليه إسرائيل إن قررت الهجوم. فالعارفون في الشؤون الاستراتيجية والمؤرخون يدركون أن التجارب السابقة حسمت معادلات عدة حيال هذا الموضوع.
حروب إسرائيل السابقة
دروس تدخلات إسرائيل المتعددة في لبنان، قبل وبعد الانقلاب الخميني عام 1979، لا سيما في 1978 و1981 واجتياح 1982 والانسحابات المتتالية حتى عام 1990، ومن ثم حروب 1996 و2006، وأخيراً حرب الثامن من أكتوبر، كل هذه الاصطدامات أنتجت قناعات لدى الإسرائيليين من جهة، والإيرانيين وحلفائهم من جهة أخرى، من أهمها المعادلات التالية:
أ- الاغتيالات ربما تفيد تكتيكياً في حروب كهذه، ولكنها محدودة النتائج استراتيجياً.
ب- حملات القصف بالطيران، وحتى الصواريخ، تسهم في إضعاف الخصم وتدمير قدراته، ولكنها لا تدمره حتى السقوط النهائي.
ج- مؤشر نجاح إنهاء الخصم يتلخص في واقع واحد وهو سقوط نظام الخصم واستبداله بنظام آخر حليف.
هذه المعادلات تجسدت خلال حروب إسرائيل في لبنان، بخاصة مع "حزب الله"، لعقود. فالقوات الاسرائيلية كثيراً ما حسمت المواجهات بقوتها العسكرية الضخمة، وتقدمت على الأرض عندما قررت الهجوم الميداني، لكنها لم تتمكن من إلغاء الميليشيات الإيرانية، كما لم تنهي منظمة التحرير كلياً من قبلها. لماذا؟، لأن القوة الإسرائيلية دائماً تحسم، ولكن قوات المحور دائماً تضرب أي حلفاء لإسرائيل على الأرض، فتُحرم هذه الأخيرة من استثمار انتصارها سياسياً وقانونياً وإعلامياً، وتجبر نفسها على الانسحاب وعدم الحسم النهائي كما حصل في 1982 و2000. إذاً هناك حدود لقدرة إسرائيل ضد "حزب الله"، تتلخص في ضعف أخصام الحزب.
بخلاصة الكلام إذا قررت الحكومة الإسرائيلية أن تنقل معركة غزة إلى لبنان وسوريا، فستكون لديها سيناريوهات كثيرة وعليها أن تختار أكثر من مرة. هل ستركز على الحزب في لبنان ضد سوريا، أم سوريا من دون لبنان، أم الاثنين معاً؟. فإذا كان الهدف ميليشيات الحزب في البلدين، فستحتاج وزارة الدفاع في تل أبيب إلى حشد ما فوق العادي لتغطي جنوب لبنان وجنوب سوريا. أما إذا كان السيناريو الساحة اللبنانية فقط فالسؤال يبقى دائماً، إلى أي عمق داخل لبنان؟ هل ستكون حرباً جوية فقط أم اجتياحاً ميدانياً؟، ولكل سيناريو تداعيات مختلفة.
وبالطبع يأتي سؤال آخر حول الوضع الدولي. هل تؤيد الإدارة الأميركية الحكومة الإسرائيلية في هجومها، أم تعارضه؟ ومن سيحسم في واشنطن، اللوبي الإيراني أم اللوبي الإسرائيلي؟، لكن أهم الأسئلة وأكثرها خطورة يبقى حول الداخل اللبناني وحجم التأييد اللبناني للحزب. والفارق كل الفارق يكمن في قيام أو عدم قيام معارضة لبنانية ضد إيران. فإذا لم تقُم مقاومة كهذه ضد الحزب ومن طوائف متعددة، ستستمر إسرائيل بالانتصار العسكري ولكن من دون الحسم في النهاية. فقوة "حزب الله" في وضع حد لقدرة إسرائيل في لبنان، وفي سوريا أيضاً إلى حد ما، تكمن في ضعف سياسيي المعارضة ضد الحزب، إذ لم يطرحوا أنفسهم كبديل للحزب، بل يعلنون دائماً أنهم شركاء له، وبذلك سيصعّبون على إسرائيل أن تنتصر على الميليشيات الإيرانية.
أندبندنت عربية