انفجر ملف النازحين بقوة في وجه الطبقة السياسية اللبنانية، وهو موضوع خلافي جديد، يضاف إلى الملفات الشائكة والمتعثرة الأخرى. وما جرى خلال الأسبوع المنصرم، ينذر بأزمة تحمل بين طياتها مخاطر كبيرة على البلاد، وقد تتشابه مع ما حصل قبل بداية الحرب الأهلية في العام 1975 مع ملف اللاجئين الفلسطينيين، حيث انقسم اللبنانيون إلى حدود التقاتل بين فريق يدافع عن الفلسطينيين وقضيتهم، وفريق رأى في وجودهم خطرًا.
من المؤكد أن ملف النازحين السوريين ينهك لبنان، والمتاعب الناتجة عن وجود ما يزيد عن مليونين منهم على الأراضي اللبنانية تفوق كل تصور. وهي لا تقتصر على المخاطر الأمنية الناتجة عن عمليات قتل واختطاف وسرقة يقوم بها بعض هؤلاء، بل تطول الوضع الإقتصادي اللبناني المنهك من الركود والبطالة، بحيث تقدر الأموال التي تخرج من لبنان بواسطة النازحين بما يزيد عن 5 مليارات دولار سنويًا، أي ما يقارب 20 في المئة من الدخل الوطني الإجمالي، كما أن عبء هؤلاء على البنية التحتية - من شبكات مياه وكهرباء وصرف صحي وطرقات - كبير جدًّا، والدولة منهكة وليس بإمكانها تقديم ما يعوض عن الخسائر المذكورة.
الحملة على زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس إلى بيروت منتصف الأسبوع الماضي، مبررة في بعض جوانبها، لأن الزائرين أعلنا عن خطة تمويل للبنان للمساعدة على حل بعض جوانب أزمة النزوح بما يقارب مليار يورو، وهو ما اعتبره البعض رشوة للحكومة للإبقاء على النازحين في لبنان، وربما توطينهم. لكن تبرير البيان الصادر عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، كان أكثر إقناعًا، بحيث أكد أن المبلغ غير مشروط، وهو مخصص لمساعدة الجيش والقوى الأمنية التي تحتاج لإمكانيات كبيرة لملاحقة المرتكبين من النازحين، ولضبط عمليات الدخول والخروج من لبنان، ولتدعيم البنى التحتية المتهالكة، والتي لم تعد بإمكانها خدمة ما يزيد عن 5 ملايين لبناني وما يقارب 3 ملايين بين نازحين ولاجئين ومقيمين غير لبنانيين. وقد طلب ميقاتي من رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة لجلسة عامة لمناقشة الموضوع بشفافية ومن كل جوانبه.
تناول الملف بشعبوية او بانفعال، لا يفيد، وقد يفاقم المشكلة، والإتهامات التي تساق ضدّ الحكومة، مبالغ فيها، ولا يجوز اعتبار الحكومة منخرطة في تنفيذ صفقة توطين مع أي جهة، لأن غالبية وزراء الحكومة ليسوا في هذا الوارد إطلاقًا. بالمقابل فإن إجراءات الحكومة غير كافية، وغير شفافة، ولا يجوز تحت أي اعتبار سماع تصريحات إرتجالية إلى هذا الحد من بعض وزرائها، ومنهم من يعتبر أن مخيمات النازحين بمثابة معسكرات لمقاتلين مسلحين، وهذا تعميم غير صحيح على الإطلاق، فمن بين النازحين أشخاص معارضون ومعذبون ومهددون ولا يستطيعون العودة إلى بلادهم، كما هناك بينهم من يستغل النزوح للقيام بارتكابات جنائية، وبتحقيق تربح غير مشروع، وبعض هؤلاء مدعومون من قوى نافذة، وعلى السلطات اللبنانية العمل على طردهم من لبنان، كونهم يذهبون إلى سورية عبر الحدود أو من خلال معابر التهريب ساعة يشاؤون.
هناك أطراف سياسية تعمل بهدوء لإيجاد حلول معقولة للكارثة القائمة، ومن هؤلاء خطة قدمها الحزب التقدمي الإشتراكي، وهي توازن بين ضرورة الحفاظ على المصلحة الوطنية وطرد كل مقيم غير حاصل على بطاقة لجوء أو إجازة عمل وقمع كل مخالفة للقانون وكل تهديد لموارد عيش اللبنانيين وأمنهم، وبين احترام الاتفاقيات الدولية ذات الصلة والتي وقع عليها لبنان، وهي تفرض على السلطات المعنية توفير الحماية للهاربين من جحيم القتل والمهددين جسديا في بلدهم.
لابد من إخراج ملف النزوح السوري من بازار المزايدة، فكل القوى والأطراف تريد تنظيم هذا الملف وضبط التجاوزات، ولا يوجد في لبنان أي جهة تؤيد التوطين او إبقاء النازحين.