منوعات اليمن

كفيفة يمنية تتحدى العتمة وتفوز بجائزة عربية للخطابة والإلقاء الشعري

كفيفة يمنية تتحدى العتمة وتفوز بجائزة عربية للخطابة والإلقاء الشعري

هديل الشرماني

موهبة يمنية من ذوي الهمم، حصدت قبل أيام المركز الثالث عربياً والمركز الأول يمنياً في فن الخطابة والإلقاء الشعري باللغة العربية الفصحى، وخلال تكريمها من قبل مكتب الثقافة في محافظة تعز اليمنية، تم تسليمها هدية رمزية مقدمة من رئيس الوزراء معين عبدالملك، دعماً وتشجيعاً لتمكنها من تجاوز تحدي البصر الذي رافق حياتها، وتقديراً لإصرارها في بث نور الإلهام للكثيرات سواء ممن يعانين مثلها أو ممن قهرتهن الظروف بسبب سوء قسوة العيش وعسر الحال.

كفيفة ويتيمة أب بمعدل 95% بالثانوية

فرحة هديل كانت واضحة على منصة التكريم، تصف تلك اللحظة، بأنها محطة فارقة واستثنائية في منعطف حياتها، كونها تأتي تتويجاً لحلم طال أمد تحقيقه، لعلّه ينسيها شيئاً من معاناتها، فهديل 23 عاماً هي يتيمة الأب، والابنة الوحيدة لأم كفيفة أيضاً، صاحبة سيرة إبداعية، فقد حازت معدل 95% في الشهادة الثانوية.

مبدعات منسيات في عالم الظلام

تؤمن الشابة اليمنية هديل عبد الله الشرماني، أن دروب النور تملأها الأشواك وتفخخها العثرات، لكنها قررت أن ترى حلمها في كل عتمة وحياة، وعلى الرغم من أن هديل ولدت كفيفة، إلا أنها عاهدت نفسها منذ الصغر أن تتحدى العتمة ببصيرتها، وتثبت للعالم أنها قادرة على مقاومة الألم بالأمل، وإنها مثل غيرها من ذوي الههم اللواتي يولد وجعهن في عالم الظلام، لم يعدن مبدعات منسيات أو نساء هامشيات بل إنهن أرواح تشعر وعقول تفكر وتقرر وتحلم بغد أفضل، وتطالب بحصة عادلة من الحياة.

رفعت اسم اليمن

تثبت هديل 23 عاماً، أن الكفيف الحقيقي في بلدها هو الجاهل الذي يعيش في الظلام بلا علم ولا هدف ولا أخلاق، وأن بصر العين لا يغني أحياناً بصيرة القلب. ابنة تعز التي رفعت اسم اليمن في محافل عربية في فن الخطابة وبراعة الأداء، تتمنى أن تنتهي الصراعات ويعود البلد الحزين سعيداً كما كان منذ آلاف السنين. هديل تتقن أيضاً فن الكتابة، وتنثر على صفحتها في فيسبوك درراً من الشعر والقصة والخواطر الفلسفية،

انتصار الحقيقة على الخرافة

في إسقاط على واقع الحصار، تقول هديل:"في يوم 26 سبتمبر 1962م انتصرت الحقيقة على الخرافة، والعلم على الجهل، والمساواة على الطبقية، والحرية على الاستعباد، انتصر فيه أتباع النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، على من ادعوا أنهم من أحفاده، وانتهى فيه عصر لصوص أقوات الناس الذين جعلوا من الشعب حفاة عراة، جهلة فقراء يموتون على أبواب المدن بينما يبيع الأئمة محاصيلهم من الحبوب للأجانب بالجنيهات الذهبية".

سيرة مختصرة للمعاناة

وتفتح هديل شجنها حتى آخره، لتكتب سيرة مختصرة لمعاناتها مضيفة: "أنا من تعز، المحافظة التي أنهكها الحصار، من المدينة التي يملأها الحب، ويسكن الشغف قلوب أناسها، الذين يتنفسون حرية فلا يعرفون لليأس طريقاً، أنا من المدينة التي تحتضن الجميع، المدينة التي تنتصر في كل مرة، أنا جبل صبر الشامخ، أنا كل الأماكن والقرى في ربوعها، أنا "مشرعة" و"حدنان" أنا "المسراخ" و"القاهرة" و"شرعب" و"الصلو" أنا "حيفان" و"الوازعية" أنا "الأعروق" و"المظفر" و"المعافر" أنا "جبل حبشي" و"موزع" و"المواسط" و"مقبنه" و"ماوية" أنا "المخا" و"سامع" و"خدير".

مدينة مخذولة تبتسم في وجه الحرب

وتضيف هديل: "أنا من تعز التي ترسل طبيبها لتضميد جراح صنعاء، وتبعث أستاذها إلى مأرب، ومهندسها إلى عدن، أنا من المدينة التي أين ما اتجهت من اليمن تجدها أمامك مثالاً مشرفاً، أنا من مدينة الثقافة والعلم التي تكره الجهل والظلم وترفض الرضوخ تحت سطوة العنف والقمع، أنا من المدينة المخذولة التي تنتصر على الحرب بالحب، التي تعلم أبناءها الابتسام رغم النزيف والجروح، تعز التي شوهها الدمار، لن تموت وستحيا دائما وتولد ألف مرة من تحت الركام.

طريقة برايل نافذة نور

هديل عانت كثيراً كي تحجز لها مقعدا للدراسة، في الوقت الذي ترك فيه شباب أسوياء مدارسهم من أجل الانضمام إلى جبهات القتال، تعتبر هديل أن طريقة برايل للمكفوفين هي نافذة النور التي جعلتها تننهل من مختلف العلوم والثقافات وتقرأ القرآن الكريم وتتذوق معانيه، مشيرة أن مخترع هذه الطريقة الفرنسي لويس برايل، وتم الاعتراف باختراعه هذا وهو على فراش الموت. وقد كان عدد النقاط 12 نقطة تم تقليصها بعد ذلك إلى 6 نقاط وهي ما نستخدمه حالياً، والخلية الكاملة تعتبر 6 نقاط وهو بالعربية حرف "ظ" وباقي الحروف تأخذ عدد من النقاط في حروف تأخذ 5 نقاط مثل الحرفين "ع" "ط"، وفي حروف عدد نقاطها 4، وحروف عدد النقاط فيها نقطتين وحرف "أ" يأخذ نقطة واحدة فقط، وقد يختلف الشكل من حرف مقارنة بحرف آخر مثلاً حرف "ب" وحرف "ك" يأخذان نقطتين لكن كل حرف ترتيب النقاط مختلف عن الحرف الآخر .

مناهج الإكفاء والأسوياء

وتخاطب هديل الأشخاص الأسوياء: "لا تختلف مناهجنا الدراسية عن مناهجكم بأي شيء الاختلاف الوحيد أننا نقرأ بأصابعنا وأنتم تقرأون بأعينكم. وتعتبر اليمن الدولة الخامسة على مستوى الشرق الأوسط والرابعة عربياً في طباعة المصحف. ويتم تعليم المكفوفين طريقة برايل في مركز الأمان للتدريب والتأهيل المجتمعي وفي مركز النور للمكفوفين بالمحافظة اليمنية.

تحدي الاندماج والأذى النفسي

إلى ذلك، لا يزال ملايين من ذوي الهمم في البلد الفقير، يعيشون معاناة الاندماج في المجتمع، يتعرضون للأذى النفسي الفادح، يتلقون صدمات وإهانات تشكل صفعة في قلوبهم، تصنف إلى ثلاثة أنواع هي استهزاء واستغلال وشفقة مبالغة، تقول هديل بلسان إحدى صديقاتها: "كنت أمشي في الشارع رفقة أمي، وكنا نسير على مهل، وفجأة يبصق علينا شخص من نافذة سيارته، ويقول: "لماذا تتمايلين هكذا في الطريق، دون أن ينتبه أنها ترتدي نظارة سوداء ليتبين له حين رأى وجهها بأنها كفيفة.

وتروي هديل موقفاً آخر لفتاة أخرى تقع في حفرة نتيجة للحفر العشوائي، ليتحول المشهد لفرجة دون أن يهب أحد لمساعدتها. ومشهد آخر لصديقات كفيفات ذهبن لتناول الغداء في مطعم، ليتمتم أحدهم من الخلف قائلاً: "بنات "عميانات" مازلن يخرجن إلى المطاعم، ليتساءلن هل كان الرجل يقصد أنه لا يحق لنا أن نخرج لنأكل أو نشرب.

رسالة موجهة للمتنمرين

وفي ذات السياق، توجه هديل رسالة إلى المجتمع اليمني، تعممها إلى المجتمعات العربية التي تغيب فيها ثقافة المعاملة الطيبة لذوي الهمم، فتقول: "قبل ما تطلق حكمك على فتاة أو شاب فتجرحه بكلماتك أو تتنمر عليه، تأكد قبل أن ترمي أي كلمة أنه قد يكون أو تكون من ذوي الهمم المكفوفين.

تنبيه عاجل للسائقين: كونوا عيوناً للمكفوفين

وتضيف: "إذا كنت قادرا أن تساعد أحد المكفوفين في عبور الشارع أو تنبهه بوجود حفرة أمامه أو شيء يمكن أن يؤذيه أو حاول أحدهم سرقة كفيفاً فينبغي أن تكونوا عيوناً لهم، وألا تنظروا إليهم باستعطاف مبالغ أو تعاملوهم بشفقة، فذلك يجرح مشاعرهم بفداحة النقص، وتتابع هديل: "رجاء من سائقي الباصات والدراجات وحتى السيارات لو صادفتم مكفوفين يسيرون على مهل في الشارع، أرجوكم تمهلوا قليلاً من أجلهم، وافسحوا لهم الطريق للعبور، ولا تسرعوا فقد تتسببوا في حوادث كبيرة يذهب ضحيتها أشخاص أبرياء من ذوي الهمم".

العربية

يقرأون الآن