تبدلت الأحوال والأوضاع في كوريا الشمالية، منذ تفشي وباء كورونا، وفي غضون عامين ونصف العام، تخيم حالة من الهدوء على بيونغ يانغ، مما يلقي بمزيد من الضبابية على الوضع في الداخل.
وفي ذكرى تأسيسها نظمت كوريا الشمالية، ليل الأربعاء الخميس، عرضا "أقل استفزازا"، بحسب وصف فرانس برس، من العروض السابقة، وضم هذه المرة أعضاء من وزارة السكك الحديد وشركة الطيران "إير-كوريو" ومجمع الأسمدة "هونغنام" بدون أي ذكر لعرض أسلحة استراتيجية.
كيم ظهر أمام الحشود ووجه تحيات للشعب
ولم تعلن كوريا الشمالية أي إصابات مؤكدة بمرض كوفيد-19، بحسب رويترز، لكنها أغلقت حدودها وفرضت قيودا صارمة للوقاية معتبرة الجائحة خطرا يهدد كيان الوطن، مما زاد الضغوط على اقتصادها المترنح أصلا.
فقد أغلقت كوريا الشمالية حدودها حتى أمام شريكها التجاري الرئيسي، الصين، وهي خطوة قالت منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، إنها أدت إلى تفاقم نقص الإمدادات الغذائية والطبية إلى بيونغ يانغ.
كما أدى الإغلاق أيضا إلى صعوبة في الوصول لمصادر المعلومات المباشرة من كوريا، التي كانت تساعد صناع السياسات على اتخاذ القرارات المناسبة، ومعرفة الضغوط والمشاكل الداخلية، لوضع النقاط على الحروف، وخاصة تلك المعلومات التي كانت "توجه السياسة الأميركية تجاه النظام الكوري الشمالي المسلح نوويا"، وفقا لصحيفة "واشنطن بوست".
وبحسب الصحيفة، أسفر الإغلاق أيضا عن "هجرة جماعية" للأجانب والدبلوماسيين وعمال الإغاثة ومبعوثي الأعمال والصحفيين، والذين كان بإمكانهم التحقق من تقارير وسائل الإعلام الحكومية.
وشكل هؤلاء مصادر هامة لصناع السياسات، بشأن كيفية التفاوض والتعامل مع كوريا الشمالية، للحد من طموحاتها النووية المتزايدة باستمرار، وكيفية اكتساب "فهم أعمق للديناميكيات" التي توجه الحسابات السياسية للزعيم الكوري.
وقالت سوزان ديماغيو، الزميلة الأولى في مركز كارنيغي للسلام الدولي، والخبيرة في المفاوضات الدبلوماسية إن "محاولة صياغة قرارات سليمة دون مصادر داخلية مباشرة هي بمثابة تعثر في الظلام".
ويقول محللون إن كوريا الشمالية تأخذ الوباء على محمل الجد، لدرجة تقترب من الجنون، وبيونغ يانغ صارمة للغاية فيما يتعلق بالحدود، لدرجة أنها أمرت بإطلاق النار على أي متسللين، حتى الحيوانات، دون سابق إنذار.
وقال مسؤولون عسكريون كوريون جنوبيون إن كوريا الشمالية قتلت، الشهر الماضي، بالرصاص مسؤولا كوريا جنوبيا اختفى من قارب صيد، وألقت جثة الرجل في وقت لاحق بالزيت وأشعلت النار فيها، كإجراء يبدو وكأنه جزء من مكافحة فيروس كورونا.
والعرض العسكري الأخير الذي أقامته كوريا الشمالية هو الأول خلال ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن، وظهرت فيه مجموعات ترتدي سترات برتقالية اللون واقية من العدوى وكمامات طبية في رمز واضح لجهود مكافحة جائحة كورونا وهم يسيرون جنبا إلى جنب مع الجنود الذين يحملون البنادق.
اتجاه نحو العزلة
وتقول واشنطن بوست إن هذه الصور قدمت "لمحات قليلة" للخارج للحصول على معلومات استخبارية وأدلة جديدة حول الحياة في ظل النظام الكوري الشمالي.
وكانت معظم الدول الغربية سحبت موظفيها الدبلوماسيين، أوائل عام 2020، بسبب نقص الغذاء والأدوية. وبقي دبلوماسيون من بعض الدول، ومنها روسيا والصين وسوريا وكوبا.
كما انخفض عدد الفارين من بيونغ يانغ بشدة، حيث وصل كوريان شماليان فقط إلى كوريا الجنوبية، في الربع الثاني من عام 2021، وهو أقل عدد ربع سنوي خلال 18 عاما على الأقل، مما حد بشكل أكبر أيضا من روايات هؤلاء عن الحياة هناك.
وقال روبرت لولر، محرر اللغة الإنكليزية في صحيفة ديلي إن كيه، ومقرها سيول لكن لديها مصادر داخل كوريا الشمالية، إن حملة القمع ضد الاستخدام غير القانوني للهواتف المحمولة أعاقت وسائل الاتصال التي تحايلت منذ فترة طويلة على ضوابط الدولة. وهناك العديد من المنشقين غير قادرين على الاتصال بأسرهم أو إرسال تحويلات مالية.
ويقول محللون إن كوريا الشمالية كانت تتجه نحو العزلة والاعتماد على الذات، حتى قبل وباء كورونا، وأن هناك دلائل على أن زعيم البلاد كيم جونغ أون كان يتراجع عن الاعتماد على العالم الخارجي.
ويضيفون أنه منذ أواخر عام 2019، انتشرت أحاديث وسائل الإعلام الحكومية حول الاعتماد على الذات، وأصبحت التعليقات والبيانات التفصيلية حول الشؤون الخارجية نادرة.
وقد خلى العرض العسكري بمناسبة احتفال كوريا الشمالية بذكرى مرور 73 عاما على تأسيسها من الصواريخ الباليستية. كما خلى من ارتداء الحاضرين، بمن فيهم كيم، الكمامات الواقية من انتشار عدوى مرض كوفيد-19.
كما لم يلق كيم كلمة بهذه المناسبة بخلاف ما حدث في أكتوبر الماضي عندما تفاخر بالقدرات النووية للبلاد، واستعرض صواريخ باليستية عابرة للقارات لم يسبق مشاهدتها خلال عرض عسكري قبل الفجر.
وأفادت وكالة الانباء الكورية الشمالية الرسمية أن كيم ظهر أمام الحشود عند منتصف الليل خلال عرض الألعاب النارية "ووجه تحيات حارة لكل شعب البلاد" بدون أن تورد مقتطفات من خطابه. وبدا زعيم البلاد أكثر نحافة من السابق.
وشمل العرض استعراض بعض الأسلحة التقليدية منها منصات إطلاق صواريخ متعددة، وجرارات تحمل صواريخ مضادة للدبابات. فيما لم تشاهد أي صواريخ باليستية، كما لم يرد ذكرها في التقارير.
كما شملت المناسبة عرضا لجرارات زراعية وشاحنات رجال الإطفاء بدلا من الدبابات والصواريخ كما كانت العادة.
رفع المعنويات
وكان هذا العرض هو الثالث في أقل من سنة في هذه الدولة التي تملك السلاح النووي، كما أفادت وسائل الإعلام الرسمية.
لكن النظام نادرا ما ينظم ثلاثة عروض في أقل من عام -مع استعراض عسكري في يناير تزامنا مع مؤتمر حزب العمال وآخر في أكتوبر للاحتفال بالذكرى السنوية الـ75 لهذه المؤسسة.
وفي نهاية أغسطس قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن ثمة "مؤشرات" إلى أن كوريا الشمالية قد تكون أعادت تشغيل مفاعلا ينتج البلوتونيم في مجمع يونغبيون النووي. وأعربت الوكالة عن قلقها من ذلك.
بينما لم تجر كوريا الشمالية أي تجارب نووية أو إطلاق صواريخ بالستية عابرة للقارات منذ عام 2017.
وبدلا عن ذلك، سعى النظام إلى استخدام العروض لتوجيه "رسالة إلى المجتمع الدولي" بدون المخاطرة بالتصعيد، كما يقول هونغ مين الباحث في معهد التوحيد الوطني الكوري في سيول لفرانس برس.
وتخضع بوينغ يانغ لعقوبات دولية عدة بسبب برامجها للتسلح النووي والصواريخ البالستية المحظورة.
وأضاف هونغ أن "الشمال قد يكون شعر بضرورة ممارسة ضغط على الولايات المتحدة للعودة إلى طاولة المفاوضات".
والمحادثات حول الملف النووي مع واشنطن معلقة منذ فشل قمة هانوي بين كيم جونغ أون والرئيس السابق دونالد ترامب.
سبق أن عبر ممثل الرئيس جو بايدن عدة مرات عن رغبته في لقاء نظرائه الكوريين الشماليين "في أي مكان وأي وقت".
وقد وعدت إدارة بايدن باعتماد "مقاربة عملية ومحسوبة" بجهود دبلوماسية لحمل بيونغ يانغ على التخلي عن برنامج التسلح وهو ما لم تبد كوريا الشمالية استعدادا أبدا للقيام به.
على الصعيد الداخلي، يشكل العرض فرصة لرفع المعنويات وتعزيز "تضامن الناس مع النظام" بحسب هونغ مين.
الحرة