أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الجمعة، على أن العالم يتغير بسرعة كبيرة، وأنه لن يعود كما كان من قبل لا في السياسة ولا في الاقتصاد.
وجاءت تصريحات الرئيس بوتين خلال مؤتمره الصحفي في مبنى وزارة الخارجية الروسية، وذلك على هامش اجتماعه مع وزير الخارجية سيرغي لافروف والفريق العامل ضمن الوزارة، حيث اعتبر أن أسس النظام العالمي متعدد الأقطاب تتشكل على أساس الواقع الجديد، لافتا إلى أن إرساء مبادئ التعددية القطبية في الشؤون الدولية يسمح للجميع بحل المشاكل الأكثر تعقيدا معا.
وقال بوتين بهذا الصدد إن "المزيد والمزيد من الدول تسعى لتعزيز السيادة والاكتفاء الذاتي والهوية الوطنية والثقافية، وبلدان الجنوب والشرق في العالم تأتي في المقدمة، ودور أفريقيا وأميركا اللاتينية آخذ في الازدياد، لقد تحدثنا دائماً، منذ الحقبة السوفييتية، عن أهمية هذه المناطق في العالم، لكن الديناميكيات اليوم مختلفة تماما".
ولفت بوتين إلى أن بلاده ترى اهتماما متزايدا من الدول في صيغة "بريكس"، مؤكدا على أن روسيا ستعمل على تسهيل الاندماج السلس للمشاركين الجدد في هذه المنظمة، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن موسكو مهتمة بتطوير الحوار في الأمم المتحدة حول إنشاء نظام أمني غير قابل للتجزئة.
وفي سياق آخر، اعتبر بوتين أن "القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة اعتقدت أنها انتصرت في الحرب الباردة وبإمكانها تحديد النظام العالمي وأجابت على أسئلة روسيا بأعذار"، مضيفا أن موسكو كانت تعرض باستمرار حلولاً أمنية بناءة على شركائها الأجانب لكن كل المحاولات باءت بالفشل في العثور على إجابة، مؤكدا على أن التقارير حول أن روسيا تريد مهاجمة أوروبا تكهنات،هذا هراء مطلق وتبرير لسباق التسلح والخطر الحقيقي على أوروبا يأتي من الولايات المتحدة.
وبشأن مصادر الأموال الروسية، قال الرئيس بوتين إنه بسرقة الأصول والأموال الروسية يخطو الغرب والأمريكيين خطوة أخرى نحو تدمير النظام الذي أنشأوه بأنفسهم، موضحا أن انعدام الثقة في العملات الغربية آخذ في الازدياد، والعالم يدرك أن أي شخص يمكن أن يكون التالي، مؤكدا على أنه يمكن لأوروبا أن تحافظ على نفسها كأحد مراكز التنمية إذا حافظت على علاقات جيدة مع روسيا.
وأشار بوتين إلى أن علاقات روسيا مع عدد من الدول الأوروبية تدهورت الآن، ولكن ليس بسبب خطأ روسيا، وقال بوتين: "إن الحملة الدعائية المناهضة لروسيا، والتي تشارك فيها شخصيات أوروبية رفيعة المستوى، مصحوبة بتكهنات بأن روسيا ستهاجم أوروبا، لقد تحدثت عن هذا عدة مرات، وليس هناك ما يمكن تكراره في هذه القاعة، ونحن جميعا نفهم أن هذا هراء مطلق، وهو المبرر الوحيد لسباق التسلح".
وأضاف بوتين، خلال لقائه مع قيادة وزارة الخارجية الروسية: " إذا أرادت أوروبا أن تبقى كأحد المراكز المستقلة للتنمية العالمية والأحزمة الثقافية والحضارية للكوكب، فمن دون شك يلزم أن تكون لها علاقة جيدة وودية مع روسيا، ونحن، الشيء الهام، مستعدون لذلك".
وتابع بوتين: "إن الخطر على أوروبا لا يأتي من روسيا، فالتهديد الرئيسي للأوروبيين يكمن في الاعتماد الحاسم والمتزايد والذي يكاد يكون شبه كامل، على الولايات المتحدة في المجالات العسكرية والسياسية والتكنولوجية والأيديولوجية والمعلوماتية.. أوروبا تُدفع بشكل متزايد إلى هامش التنمية الاقتصادية العالمية، وتغرق في فوضى الهجرة وغيرها من المشاكل الحادة، وتُحرم من الذاتية الدولية والهوية الثقافية".
وفي تعليقه على التعددية القطبية قال بوتين: "على أساس الواقع السياسي والاقتصادي الجديد بالذات، تتشكل اليوم معالم نظام عالمي متعدد الأقطاب ومتعدد الأطراف، وهذه عملية موضوعية .. إن تأكيد مبادئ التعددية القطبية، والتعددية في الشؤون الدولية، بما في ذلك احترام القانون الدولي، والتمثيل الواسع .. يسمح لنا معاً بحل المشاكل الأكثر تعقيدا، وبناء علاقات متبادلة المنفعة".
وفي سياق متصل، أكد بوتين أن النظام الأمني الأوروأطلسي إنهار ولابد من إنشاء نظام جديد، وعلق قائلا: "أتيحت للمجتمع الدولي فرصة فريدة لبناء نظام موثوق وعادل في مجال الأمن. وهذا لا يتطلب الكثير، قدرة بسيطة على الإصغاء إلى آراء جميع الأطراف المعنية واستعداد متبادل لأخذها في الاعتبار... لقد أشرنا باستمرار إلى خطأ مسار الغرب... نحن نشهد انهيار الأمن الأوروبي الأطلسي. في الواقع، نحن بحاجة إلى إعادة إنشائه من جديد وصياغة معالم لأمن جديد في أوراسيا".
وأكد بوتين أنه من أجل بدء المفاوضات، يجب على أوكرانيا سحب قواتها من كامل أراضي المناطق الجديدة في روسيا، من جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين، ومقاطعتي خيرسون وزابوروجيه، وأشار بوتين إلى أن القتال سيتوقف فورا بعد موافقة سلطات كييف على هذا الشرط.
"بمجرد أن تعلن كييف أنها مستعدة لمثل هذا القرار وتبدأ الانسحاب الحقيقي للقوات من هذه المناطق، وكذلك تبلغ رسميا برفض خطط الانضمام إلى الناتو، من جانينا سيتبع هذا الأمر بوقف إطلاق النار وبدء المفاوضات على الفور، حرفيا في نفس اللحظة. أكرر، سنفعل ذلك على الفور... هذه شروط بسيطة للغاية".
وشدد بوتين على أن روسيا تتقدم اليوم باقتراح سلام حقيقي آخر، لكن إذا رفض الغرب وكييف هذا الاقتراح، فسيصبحون هم مسؤولون عن إراقة الدماء.
وأشار بوتين أيضًا إلى أنه من أجل التوصل إلى تسوية سلمية، تحتاج موسكو إلى وضع أوكرانيا المحايد وعدم الانحياز والخالي من الأسلحة النووية، ونزع سلاحها وتطهيرها من النازية. وأكد أن هذا كان موقف روسيا المبدئي، الذي "اتفق عليه الجميع بشكل عام خلال مفاوضات اسطنبول عام 2022".