قمّة

منذ تأسيسها في عام 1973، بمبادرة أميركية، لم يحصل أن كانت قمّة الدول الصناعية مرآة تعكس بوضوح غير مسبوق المشهد السياسي المضطرب الذي تعيشه الديمقراطيات الغربية الكبرى، كما الحال في هذه القمة التي تستضيفها إيطاليا للمرة السابعة، وعلى رأس حكومتها، للمرة الأولى، امرأة تعرف من بين ضيوفها أنها الوحيدة التي ليست قلقة على مستقبلها السياسي في القريب المنظور.

الأميركي جو بايدن، والفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتس أمام استحقاقات انتخابية وسياسية صعبة جداً، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، ليس ضمن أحصنة المراهنات على الفوز في الانتخابات القريبة المقبلة، بينما الكندي جاستين ترودو، والياباني فوميو كيشيدا، يواجهان تراجعاً كبيراً في نسبة التأييد الشعبي. واللافت أن الذي تجرّأ على تشخيص هذا الاضطراب السياسي في تصريحاته ليس من قادة مجموعة السبع، بل أحد ضيوف هذه القمة، الرئيس البرازيلي لويس إينياسيو لولا، الذي قال لدى وصوله: "أمامنا مشكلة، وهي أن الديمقراطية في خطر بسبب الذين لا يقيمون وزناً للمؤسسات، مثل البرلمان وأجهزة القضاء".

لكن هشاشة الأوضاع السياسية التي يعاني منها معظم القادة الحاضرين هنا، لم تكن حائلاً دون اتخاذ قرارات هامة في يومهم الأول، مثل "الاتفاق السياسي المبدئي" حول تمويل حزمة مساعدات لأوكرانيا بقيمة 50 مليار دولار من فوائد الأصول الروسية المجمدة في الغرب، وتخصيص جلسة طويلة للعلاقات المتوترة مع الصين، أظهرت تناغماً تاماً بين أعضاء المجموعة حول التعامل مع بكين، خاصة ما يتعلق بالسياسة التجارية وما تسمّيه الدول الغربية "الفائض الإنتاجي الصناعي" في مجال التكنولوجيا النظيفة ومشتقاتها، الذي أصبح يغرق الأسواق العالمية.

وكان الاتحاد الأوروبي قد أعلن منذ أيام أنه يعتزم فرض رسوم جمركية عالية على الصادرات الكهربائية الصينية، ما استدعى ردّاً شديد اللهجة من بكين، التي هددت باللجوء إلى منظمة التجارة العالمية.

وتمكّنت الولايات المتحدة مرة أخرى من إقناع حلفائها في مجموعة السبع بتضمين البيان الختامي فقرة، يعارضون فيها النشاط العسكري الذي تقوم به الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وتكون بمثابة رسالة موجهة إلى القيادة الصينية، مفادها أن الوضع في تلك المنطقة هو مبعث للقلق بالنسبة لجميع بلدان المجموعة.

وبينما كانت مروحيّة البابا فرنسيس تهبط عند انتصاف نهار الجمعة، على بعد أمتار من مركز القمة، كان اهتمام المشاركين منصباً على التصريحات التي صدرت عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعرض فيها التوصل إلى وقف لإطلاق النار مقابل انسحاب أوكرانيا من مناطق الدونباس ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا، والتخلي عن فكرة الانضمام إلى الحلف الأطلسي.

وجاء الردّ الأول على تصريحات بوتين من الأمين العام للحلف الأطلسي، جينز ستولتنبيرغ، في ختام أعمال مجلس وزراء دفاع الحلف، حيث قال: "إن هذه التصريحات ليست مقترحاً للسلام، بل للاعتداء. روسيا وليس أوكرانيا هي التي يجب أن تسحب قواتها من هذه المناطق، وهذا الاقتراح يعني أن لروسيا الحق في احتلال مزيد من الأراضي الأوكرانية". وقال وزير الدفاع الأميركي إن روسيا ليست في الموقع الذي يفرض شروط السلم، بعد أن احتلّت أراضي أوكرانيا بشكل غير قانوني.

لكن الردّ الأكثر وضوحاً والأبعد مغزى على تصريحات الرئيس الروسي جاء في النص التوافقي لمشروع البيان الختامي الذي يتضمن في بنوده الأولى تصميم مجموعة الدول الصناعية السبع على "تحقيق سلام شامل، ومستديم وعادل في أوكرانيا، وفقاً لأحكام القانون الدولي، والوقوف بجانب كييف مهما طالت حاجتها للدعم". كما يشدّد مشروع البيان على أن تمويل حزمة المساعدات إلى أوكرانيا من فوائد الأصول الروسية المجمدة في الغرب، ومعظمها في أوروبا، هو رسالة واضحة موجهة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ونصّ مشروع البيان الختامي على تأييد المجموعة لقمة السلام في أوكرانيا، التي تنعقد نهاية هذا الأسبوع في جنيف، والخطة التي وضعها الرئيس فولوديمير زيلينسكي، التي تطالب روسيا بالتعويض عن أضرار الحرب التي خلّفتها.

إلى جانب ذلك، ذكرت مصادر في الوفد الياباني أن الحكومة اليابانية تبحث في احتمال فرض حزمة جديدة من العقوبات على روسيا، أسوة بتلك التي اتخذتها الولايات المتحدة ودول أعضاء أخرى في مجموعة السبع. وقال ناطق بلسان الوفد الياباني: "نسعى إلى فرض عقوبات قاسية لمنع روسيا من الالتفاف على العقوبات المفروضة عليها من لدن أطراف ثالثة". وأضاف: "إن هذه العقوبات الجديدة تستهدف كيانات وأفراداً في بلدان مثل الصين والهند والإمارات العربية المتحدة وأوزبكستان وكازاخستان".

وبعد أن كان قادة الدول السبع قد أعلنوا عن تأييدهم الكامل للمقترح الأميركي من أجل إنهاء الحرب في غزة وحضّ الطرفين على قبوله، شهدت أروقة القمة بعد وصول البابا فرنسيس نشاطاً دبلوماسياً ملحوظاً تناول تفاقم الوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، شاركت فيه وفود فرنسا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإيطاليا والفاتيكان. وقال مصدر فاتيكاني رفيع، لـ"الشرق الأوسط"، إن البابا يتابع عن كثب تطورات الوضع في جنوب لبنان، وأعطى تعليماته من أجل بذل كل الجهود الممكنة لمنع اتساع المواجهة والتوصل إلى اتفاق دائم بين الطرفين.

ويدعو مشروع نصّ البيان الختامي، الذي اطلعت عليه "الشرق الأوسط"، إيران للكفّ عن دعم روسيا في حربها ضد أوكرانيا، وإلى "عدم نقل الصواريخ الباليستية وتكنولوجيتها إلى موسكو". ويؤكد مشروع البيان على أن "مجموعة السبع جاهزة للردّ بسرعة وتنسيق بين أعضائها، وبتدابير جديدة أشد قسوة". كما يطلب مشروع البيان من إيران "وقف أنشطتها المزعزعة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، تحت طائلة فرض عقوبات جديدة".

وعن الحرب الدائرة في غزة، جاء في مشروع بيان القمة: "نشعر بقلق عميق إزاء تداعيات العمليات الحربية في رفح على السكان المدنيين، وعلى ما يمكن أن ينجم من تبعات كارثية في حال تنفيذ هجوم عسكري واسع. نطلب إلى الحكومة الإسرائيلية الإحجام عن القيام بهذا الهجوم".

يقرأون الآن