تثير مسألة خلافة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد انتهاء فترة رئاسته، تكهنات ومناقشات واسعة على الساحة السياسية الروسية، وكذلك الدولية. وبعدما صار بوتين شخصيةً مؤثرةً ومهيمنةً على الساحة السياسية الروسية لسنوات عديدة، يتساءل كثيرون عن المرشح المحتمل لتولي الرئاسة بعد انتهاء فترة حكمه، وهل يجهّز بوتين خليفة لتأمين استمرار الحكم واستقرار السياسة الروسية.
ويقول المحلل السياسي نيكولاي بيتروف، في تقرير لـ"المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس)"، إن بوتين عَيّن أليكسي ديومين أميناً عاماً لمجلس الدولة يوم 29 أيار/ مايو ، خلفاً لإيغور ليفيتين، صاحب الشخصية المحترمة والمؤثرة، الذي شغل المنصب منذ أيلول/سبتمبر 2012. وتم تعيين ليفيتين مستشاراً للرئيس بوتين، وهو منصب أقل تأثيراً ومكانة بكثير.
ومنذ تعيين ديومين، ازدادت الشائعات بأن بوتين ربما يستعد لتسليم الرئاسة له من بعده. ولكن من هو ديومين، ولماذا يجب أن تركز الأحاديث بشأن خلافة بوتين عليه؟
يوصف ديومين أحياناً بأنه "خزانة"، سواء من حيث المظهر البدني أو السلوك. وكان في السابق حارساً شخصياً لبوتين، وكان من واجباته لعب الهوكي مع الرئيس في "دوري الليل"، حيث كان يحرس مرمى الفريق المعارض، ويضمن تسجيل بوتين الأهداف دائماً.
ثم عمل ديومين نائباً لوزير الدفاع، وبقي في المنصب لمدة شهر فقط، قبل أن يصبح حاكماً لمنطقة تولا، في الفترة من عام 2016 وحتى عام 2024. وفي تلك الوظيفة، لم يكن مشارِكاً في إدارة المسائل الإقليمية مباشرة، بل كان يتصرف بوصفه "جنرال زفاف"، وهو تعبير روسي يشير إلى شخص له وضع رسمي وجميع الرموز المرتبطة به، لكنه يلعب دوراً ديكورياً بشكل كبير.
وبشكل أكثر إثارة، يتردد أنه لعب دوراً حاسماً في ضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014 عندما كان رئيساً لقوات العمليات الخاصة، وأنه ساعد على التوصل إلى تسوية سلمية لمحاولة انقلاب يفغيني بريغوجين في عام 2023. ويقول بيتروف إنه بشكل عام، يمكن اعتبار ديومين بيروقراطياً مدرباً تحت تصرف الكرملين يظهر ولاء تاماً لبوتين.
ويصف بيتروف ترقية ديومين بأنها ثاني أكبر تغيير جدي في الكوادر القيادية في إطار إعادة تشكيل بوتين للنخب، حيث تم تعيين أندريه بيلوسوف في منصب وزير الدفاع ليحل محل سيرغي شويغو، وثم تعيين شويغو أميناً عاماً لمجلس الأمن الروسي ليحل محل نيكولاي باتروشيف. وأنشأ بوتين مجلس الدولة في عام 2000 بوصفه هيئةً استشاريةً تجمع المسؤولين التنفيذيين، بما في ذلك حكام الأقاليم؛ لمناقشة القضايا الاستراتيجية الواسعة.
وقرب تعديلات الدستور الروسي في عام 2020، ثارت تكهنات كثيرة بأن المجلس قد يكون بمثابة مؤسسة تسمح لبوتين بالاستمرار في الإشراف على الحكم بعد مغادرة الرئاسة.
ولا يمنح منصب الأمين صلاحيات فعلية، بل هو فرصة لصاحب المنصب للمشارَكة في فعاليات بيروقراطية معقدة من خلال اختيار الموظفين والتأثير في جدول أعمال المجلس والإشراف على تنفيذ القرارات.
ويقول بيتروف إن استبدال ديومين بليفيتين، يمثل خطوةً مهمةً بالتأكيد للحارس الشخصي السابق، إلا أنه يمثل ضعفاً في المؤسسة، حيث يفتقد ديومين المهارات، أو الدعم، اللازمَين للمشاركة في اللعبة البيروقراطية بنجاح كما فعل ليفيتين.
ويضيف بيتروف أن ترقية ديومين جزء من نمط رآه بوتين يعتمد بشكل متزايد على أعضاء "الحرس البريتوري" لشغل مناصب مهمة، بوصفهم أشخاصاً يمكنه الثقة بهم على نحو تام.
وبالفعل، ما زالت عملية إعادة ترتيب بوتين مستمرة، مع تغييرات في مناصب مختلفة بوزارة الدفاع في الأشهر الأخيرة، مع استبدال فريق شويغو. ولكن ديومين ليس الشخص الوحيد في الدائرة الشخصية لبوتين الذي حصل على ترقية بارزة قبل أو خلال الحرب على أوكرانيا.
وتم تعيين ديمتري ميرونوف مساعداً للرئيس في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وألكسندر كورينكوف وزيراً للحالات الطارئة في مايو 2022، وفاليري بيكاليف رئيساً للخدمة الاتحادية للجمارك في مايو 2024.
ويشير تعيين ديومين بعد هؤلاء إلى أن بوتين لا يعدّه الأفضل بينهم. باختصار، لم يكن ديومين خيار بوتين الأول أبداً، وليس من المرجح أن يشير تعيينه في منصبه الجديد إلى أي نوع من الوضع الخاص في تفكير الرئيس الروسي بخصوص خلافته. وبدلاً من ذلك، يبدو أن إدراج ديومين في قوائم الخلفاء المحتملين لبوتين كان نتيجة حملة إعلامية خاصة من قبل الكرملين. ولا يزال الهدف من هذه الحملة غير واضح.
ويقول بيتروف إن الأهم من ذلك هو أن بوتين يستطيع تعيين أي شخص يريده لخلافته. ولا توجد معايير أو قواعد تقيده، وليس من المرجح أن يشير إلى اختياره بشكل غير مباشر قبل اتخاذه قراراً نهائياً.
ويضيف: "يحتفظ بوتين بمزيد من السلطة من خلال الإبقاء على النخب والحلفاء في حالة تكهن، دون يقين مَن مؤيد ومَن غير المؤيد. وتؤكد التكهنات بشأن خليفة بوتين، مرة أخرى، طبيعة النظام السياسي بوصفه حكماً استبدادياً شخصياً دون خطة خلافة مؤسسية".
وتلعب الشائعات نفسها دوراً في إثارة مزيد من الغموض، والدفاع عن موقف الرئيس، ومنع التخطيط الفعال الذي قد يقوض أو يهدد تقاعده. وفي حالة تولي ديومين الرئاسة، وهو أمر غير مرجح، فمن المعقول افتراض أنه سيخدم كثيراً كما فعل عندما كان حاكماً لتولا، بكل زخارف السلطة ولكن دون إشراف أو فهم حقيقي. ويعني هذا أن شخصاً آخر في الحكومة الروسية سيتخذ القرارات.