منوعات

الأوركسترا الفلهارمونيّة الوطنية بقيادةٍ روسيّةٍ مبهرة

الأوركسترا الفلهارمونيّة الوطنية بقيادةٍ روسيّةٍ مبهرة

بدعوة من رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى الدكتورة هبة القواس، واحتفالاً بيوم الموسيقى العالمي، أقام الكونسرفتوار أمسية موسيقيةً استثنائية في الكنيسة الأرمنية الإنجيلية الأولى في بيروت تحية إلى كبار المؤلفين الروس، أحيتها الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية بقيادة المايسترو نيكولاي فينوكورف، ومشاركة أوليانا كيسليتسنا على الكمان، وسيرغي سلوفاشفسكي على التشيلو. تضمن البرنامج مقطوعات لـ:شوستاكوفيتش وتشايكوفسكي.

حضر الاحتفال شخصيات دبلوماسية وسياسية وإعلامية وثقافية منهم سفراء: السويد، روسيا ألكسندر روداكوف، وأوستراليا أندرو بارنز، والنائب علي عسيران، ورئيس جامعة هايغازيان (رئيس اتحاد الكنائس الإنجيلية الأرمنية في الشرق الأدنى ورئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط المنتخب من العائلة الإنجيلية) القس الدكتور بول هايدوستيان، ومديرة مكتب اليونيسكو الإقليمي في بيروت كوستانزا فارينا، الوزيران السابقان طارق متري والياس حنّا والنائب السابق هاكوب قصارجيان، وجمهور كبير من محبي الموسيقى الكلاسيكية ومتابعي حفلات الكونسرفتوار.

افتتاحاً، تحدثت القواس مرحّبةً بالضيوف والأوركسترا والقائد والعازفين الروس، ومهنّئة بيوم الموسيقى العالمي "الذي يجمعنا الليلة في تحية استثنائية إلى مؤلفين روس كبار ألهموا الموسيقى العالمية". وقالت: "الليلة خاصة جداً لأنه يوم الموسيقى العالمي الذي يتيح لنا أن نعبر أي حدود خارج اللغة وخارج كل تعبير، الليلة هي موسيقى القلب مع الموسيقى الروسية، مع المايسترو نيكولاي فينوكورف الذي يعمل بدقة عالية مع الأوركسترا، ويعرف كيف يخلق تواصلاً خاصاً بينه وبين كل عازف، وهذه الحالة لا تحصل دائماً لأن لحظات قليلة جداً تربط بين الموسيقيين والقائد. هذه المرة الثانية التي نستقبل فيها القائد فينوكورف في لبنان، وفي كل مرة يشعر الموسيقيون بسعادة كبيرة في العزف معه. نرحب ايضاً بالعازفَين المنفردين المبدعَين أوليانا كيسليتسنا على الكمان وسيرغي سلوفاشفسكي على تشيلو. كما نشكر الأوركسترا فرداً فرداً وكل العازفين الذين ينضمون للأوركسترا. والشكر العميق لهذا الصرح الكبير الكنيسة الأرمنية الإنجيلية الأولى في بيروت، وهذه الجامعة العريقة ممثلةً برئيسها القس الدكتور بول هايدوستيان، فليس هناك أجمل من أن تلتقي الروحانية والموسيقى والتعليم العالي في أبهى صورة في ليلة واحدة، وفي حضور المستمعين العاشقين للموسيقى. هكذا يكون يوم الموسيقى العالمي".

أطل المايسترو فينوكورف مفتتحاً بعصاه " شوستاكوفيتش " في عزف منفرد على التشيلو مع سيرغي سلوفاشفسكي لمقطوعات من D. Shostakovich (1906-1975)

Cello Concerto in E-Flat for cello solo and orchestra Cello Solo: Sergei Slovachevsky: 1. Allegro 2.Moderato 3.Cadenza 4.Allegro، تمكّن العازف الروسي سلوفاشفسكي من أداء الكونشيرتو بصورة مبهرة أذهلت الحضور. بمهارة فريدة ورشاقة الأصابع المبتكرة، وسرعتها الفائقة على أوتار جسد التشيلو، تحوّلت الآلة معه إلى فضاء من الرّنين المدهش تسرّب صداه في أرجاء القاعة، فنقل العمق الموسيقي لعمل تشايكوفسكي الذي يُعدّ من أعظم الإنجازات في ريبرتوار التشيلو في القرن العشرين. استطاع سلوفاشفسكي أن يتماهى بصورة احترافية ملفتة مع الأبعاد العزفية للعمل، وأن يصل بالكونشيرتو إلى أقصى تجلياته الموسيقية، عبر ارتقائه مع كل نغمة إلى القصد الموسيقي للمؤلف المتمثّل بالتضاد الإيقاعي المبهر، والهارمونيا العالية، ورفد العمل بالنبرة الموسيقية الملائمة. وعلى وقع تجليّاته العزفية تلك عبر العازف إلى أمكنة بعيدة وخاصة، حمل إليها إصغاء الحضور وانبهارهم بمهاراته التي أهّلته أن يكون عازف التشيلو الأول ل "مسرح مارينسكي" العريق.

وفي أجواء الرقيّ الموسيقية التي يقودها المايسترو فينوكورف، تهادت الرقصة الروسية من باليه "بحيرة البجع" لتشايكوفسكي (1840-1893) the Ballet “SwanLake” Russian Dance from (P.I. Tchaikovsky (1840-1893) مع أوليانا كيسليتسينا، في عزف منفرد على الكمان، فحملت العازفة الروسية المتألقة الرقصة الروسية على أوتار كمانها التي تراقصت مع إحدى أهم الروائع الموسيقية الكلاسيكية. بمهارة عالية، تمكّنت العازفة من استخراج العمق الموسيقي للعمل وإظهار المدى اللانهائي له، ببراعة واضحة في سرعة اللعب بقوس الكمان بأنامل ماهرة، وانسيابية مترامية، وصوتيّة سينوريّة عالية. مكّنتها مهارتها في الأداء بدقة فائقة ولمعة جذابة، من تظهير الجماليات الموسيقية العالية وتقديمها بإبداع مكتمل ومتواصل، اكتسحت فيه زند الكمان من بداية الكونشيرتو حتى الختام بكمالية غير مسبوقة لمقطوعات تتضمن صعوبة كبيرة. تلك الجمالية العالية الخالية من الافتعال، نقلت السّمع إلى نشوة موسيقيّة تجاوزيّة عبّر عنها الحضور المنفعل والمتفاعل بالتصفيق لدقائق عديدة انبهاراً بمهارات العازفة.

ومع تشايكوفسكي امتدت الأمسية إلى النهاية مع مقطوعات من أبرز أعماله الخالدة: «Serenade Melancolique» in B-Flat Minor for violin and orchestra , Op. 26.، Scherzo (Souvenir D’un Lieu Cher) Op. 42 for violin and orchestra,Violin solo: Ulyana Kislitsyna.

«The Sleeping Beauty» Excerpts from the Music of the Ballet 1. Introduction, Pas d’Action (2nd Act) (Solo cello), Entr’acte (2nd Act) (Solo violin), Waltz (first act).

أداء الأوركسترا للـ "Sérénade mélancolique" أوصل إلى الحضور المصغي تفاصيل فضاء هذه المقطوعة التي بدت كأنها حركة بطيئة مقتطعة من كونشيرتو خيالي غير مكتمل، ومع هذه الموسيقى الحزينة ربما ينتقل المتلقّي إلى مشهد باليه حالِم لم يُكتب بعد. النبض المستمر للعزف المتقطع (pizzicato) واللا منتظم في القسم التالي "poco piu mosso e piu agitato" أثار الإحساس السحري بالحركة والوزن الخفيف اللذين حملتهما الموسيقى البراقة في باليه تشايكوفسكي، والذي يبقى الأكثر تأثيراً في الأذهان لفترة طويلة بعد انتهاء القطعة، حيث تجلت في عزف هذه الموسيقى تأثيرات الأغنية الشعبية الروسية، بطبقاتها الأساسية من الطنين، والمحادثات الكنونية canonic))، والحزن الأبدي.

ودائماً مع تشايكوفسكي أكملت الأوركسترا أبهى أداء مع عازفيها وقائدها وعازفة الكمان كيسليتسينا، فقدموا مقطوعة (ذكرى في مكان عزيز) سكرتزو للكمان والأوركسترا، حيث كشفت عن تأثير سكرتزو ميندلسون. وصف تشايكوفسكي هذه الحركة بالتناوب باسم "chant sans paroles" (ترانيم بلا كلمات)، كما يعود بالمثل إلى شوبرت في حسه الموسيقي التعبيري غير المعتاد، خصوصًا في لحظاته الساحرة والمرحة grazioso scherzando في النهاية الممتعة.

وفي ختام الأمسية المترامية على أجنحة النغم وعظمة المؤلفين الروس، قاد المايسترو الأوركسترا مع عازفَي التشيلو والكمان البارعَين، مقدّماً سحر مقتطفات من باليه "الجميلة النائمة" لتشايكوفسكي أيضاً، عزفاً للمقدمة وبعض الفصول التي ذكرناها في البرنامج، بمهارة إظهار توزيع تشايكوفسكي المبتكر والإبداعي "imaginative orchestration" للآلات الموسيقية في توزيع العمل، بما يتضمن من آلات مناسبة لإيجاد أصوات مميزة وجديدة وغنية تضفي على موسيقاه عمقاً وإحساساً فريداً، واستخدام تقنيات مختلفة مثل التأثيرات الصوتية والدمج بين الآلات بطرق غير تقليدية. 

يقرأون الآن