خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية لسنة 1860، حقق المرشح الجمهوري أبراهام لينكولن فوزا سهلا على منافسه الديمقراطي الجنوبي جون بريكنريدج (John C. Breckinridge) حيث حصد لينكولن حينها 180 صوتا بالمجمع الانتخابي مقابل 72 لمنافسه. إلى ذلك، جاءت هذه الانتخابات لتثير أزمة بالبلاد حيث عجّل فوز لينكولن بانشقاق الولايات الجنوبية وإعلان استقلالها لتشهد الولايات المتحدة الأميركية بالفترة التالية حربا أهلية أسفرت عن مقتل ما يزيد عن 600 ألف شخص.
في الأثناء، يعود الفضل في هذا النصر بالانتخابات الرئاسية لما لقب بالمناظرات الكبرى لعام 1858. فبتلك الفترة، خاض لينكولن سبع مناظرات انتخابية ضد منافسه الديمقراطي ستيفان دوغلاس (Stephen A. Douglas) للفوز بمقعد إلنوي (Illinois) في مجلس الشيوخ. وقد ساهمت هذه المناظرات حينها في التعريف بلينكولن ورفع شعبيته بالبلاد.
المناظرات السبع
ما بين شهري آب/أغسطس وتشرين الأول/أكتوبر 1858، خاض إبراهام لينكولن وستيفان دوغلاس سبع مناظرات انتخابية بمناطق عدة من ولاية إلنوي. وخلال هذه الحملة الانتخابية، تنقل الطرفان لمسافة 4 آلاف ميل داخل الولاية أملا في الحصول على الدعم الشعبي. وبينما تنقل لينكولن على متن القطار والعربات التي جرتها الأحصنة والسفن، تنقل منافسه دوغلاس على متن قطار خاص زوّد بمدفع. وبتلك الفترة، استخدم هذا المدفع لأغراض دعائية حيث عمد دوغلاس لإطلاق قذيفة منه كلما حل بمنطقة جديدة أملا في جذب انتباه سكانها.
إلى ذلك، اتبعت جميع المناظرات السبع نفس النظام. ففي البداية، يلقي أحد المرشحين بيانا افتتاحيا لمدة ساعة. وبعدها يرد عليه المرشح الآخر من خلال خطاب يستمر لمدة ساعة ونصف. وفي النهاية، يحصل المرشح الأول على نصف ساعة لدحض إجابات المنافس. وعلى الرغم من طول مدتها، أصبحت هذه المناظرات شبيهة بالمهرجانات حيث جذبت في عدد من المناطق حشودا قدرت بنحو 20 ألف مشاهد. وبفضل تطور الصحافة وظهور التلغراف والسكك الحديدية حينها، جذبت حجج المترشحين اهتماما وطنيا كبيرا خاصة لدى تطرقها لمسألة العبودية التي أرّقت البلاد وقسّمتها بين معارض ومؤيد.
تزايد شعبية لينكولن
خلال المناظرات السبع تبادل المترشحان الاتهامات حول العديد من القضايا. فبالمناظرة الأولى بمدينة أوتاوا بإلنوي، اتهم دوغلاس لينكولن بالترشح كمرشح جمهوري أسود ونسب إليه توجهات حول إلغاء عقوبة الإعدام. وفي الأثناء، اتهم لينكولن منافسه بدعم قرار المحكمة العليا بقضية دريد سكوت (Dred Scott) الذي حرم ذوي الأصول الإفريقية، سواء كانوا أحرارا أو عبيدا، من الجنسية كما اتهمه أيضا بمحاولة تقنين العبودية بكامل أرجاء البلاد ومخالفة قرارات الكونغرس. من جهة ثانية، اختلف الطرفان خلال لقائها بفريبورت (Freeport) حول مسألة تقرير الولايات لمصيرها حول مسألة إبقاء أو إلغاء العبودية.
وبالمناظرات الأخرى، تزايدت حدة الخلاف بين الطرفين بشكل حاد عقب اتهام دوغلاس للينكولن بمحاولة منح الجنسية لجميع الأشخاص ذوي الأصول الإفريقية وتقنين الزواج بين البيض والسود. وأمام هذا الوضع، ردّ لينكولن مؤكدا على عدم تطرقه مطلقا لمسألة الحقوق والمساواة بين السود والبيض بالمجتمع الأميركي.
على الرغم من هزيمته بالانتخابات لعام 1858 حول مقعد إلنوي بمجلس الشيوخ، كسب لينكولن بفضل هذه المناظرات السبع شعبية كبيرة وتحول لشخصية وطنية هامة بقضية العبودية. وبفضل ذلك، كسب لينكولن تأييد الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية لعام 1860 التي فاز بها قبل أشهر من اندلاع الحرب الأهلية.