هل نحن بحاجة إلى رئيس؟

نجح نواب المعارضة، خلال اليومين الماضيين، في إثبات الثابت والأكيد حتى الآن في لبنان، هذه الفترة. وهو أن "الثنائي الوطني"، لم ولن يتراجع عن موقفه أو هدفه في إيصال الوزير السابق سليمان فرنجية إلى كرسي الرئاسة الأولى في لبنان. وأنه في حال لم توافق باقي الأطراف على هذا الترشيح، فإن الثنائي لن يبدلا موقفهما مهما حصل ومهما كان الثمن. وأن كل المبادرات والتحركات التي تمت وستتم لن تؤثر فيهما وتجعلهما في موقف مغاير أو مهادن.

كما هو معروف، فان نواب المعارضة قدموا خلال اليومين الماضيين، ما سمي بمبادرة من طابقين أو شقين، يتمحور أساسها على استبعاد فكرة الرئيس نبيه برّي، التي تقول بجمع كل الأطراف إلى طاولة حوار قبل انتخاب رئيس الجمهورية، ومن ثم انتخابه.

نواب المعارضة قدموا في اليومين الماضيين جهداً كبيراً، في محاولة لكسر الجمود القاتل والخانق في ملف رئاسة الجمهورية، عبر طرح مبادرات وأفكار للحلحلة، تحت شعار الاقتراب من توجهات ومواقف الرئيس برّي، بتقديم صيغة قريبة أو مشابهة لاقتراحه، بإجراء حوار أو تشاور قبل انتخاب الرئيس المقبل والمأمول.

المعارضة، التي ترفض الموافقة على اقتراحات برّي الحوارية، تعتبر أن الدخول والموافقة عليها، سيكرس عرفاً يتجاوز ويخرق ويبهدل الدستور المبهدل كفاية منذ إقراره بصيغة الطائف، إضافة إلى رفض السماح بتسجيل سابقة، تمهيداً لتسجيل عرف ملزم من خارج الدستور، يقضي بإجراء حوار قبل انتخاب أي رئيس للجمهورية، كلما اقتربت البلاد من انتخاب رئيس. وذلك بدلاً من الذهاب إلى المجلس لانتخاب الرئيس وفق اللعبة البرلمانية الديمقراطية، أي ترك الجلسة مفتوحة لاقتراع النواب لاختيار الرئيس .

الأساس عند الثنائي، كما هو ظاهر، معرفة من هو الرئيس وضمان وصوله قبل الدخول إلى جلسة الانتخاب. أي اختيار الرئيس مسبقاً، انطلاقاً من حساباتهما ومصالحهما، ومن ثم تكريس انتخابه في البرلمان، لا الدخول إلى مجلس النواب وترك الأمور على غاربها لمقتضيات اللعبة الديمقراطية وما تحمله من مفاجآت.

في حساب الثنائي، كما هو ظاهر، إن الأوضاع لا تحتمل التجريب والاختبار في هذه الظروف الحساسة محلياً وإقليمياً. لذلك، يجب اختيار الرئيس بشكل مضمون وأن يكون موثوقاً إلى جانب المقاومة، وخطها، و"لا يطعنها في الظهر"، كما سبق أن قيل.

لا مجال للمخاطرة إطلاقاً، لأن ترك الأمور على قاعدة حرية الاختيار في جلسة انتخاب الرئيس، قد يفسح المجال أمام وصول رئيس لا يريده الثنائي، ومن خارج إرادته. ما يشكل خطراً عليهما في المستقبل، وعلى سلاح الإسناد الحالي والمواجهة في المستقبل.

سبق أن حصل في القرن الماضي، في تجربة جلسة انتخاب سليمان فرنجية الجد 1970، والذي فاز بفارق صوت واحد، ولم يحسم حتى الآن من هو صاحب الصوت الذهبي آنذاك، الذي ساهم في حسم النتيجة لصالحه.

هذا أمر مرفوض راهناً، لانه يحمل في طياته نجاح رئيس غير مضمون أو محسوب ولا يريده الثنائي، في ظرف يعتبره خطيراً جداً.

إن ترك اللعبة الديمقراطية على غاربها، يحمل مخاطر عديدة ليس من المستحب الدخول بها. وقد يسمح بوصول رئيس لا تريده المقاومة، لأنه قد يوقعها في أزمات بعد انتخابه، وهي لا تريد الدخول في هذه التجربة.

من هنا، فإن الإصرار على انتخاب سليمان فرنجية، "إبن الخط"، أمر ضروري الآن مهما كانت أو ستكون النتائج.

ما لم تدركه باقي الأطراف بعد، بشكل جلي، أن الرئاسة في هذه المرحلة لم يعد لها أي دور كما هو جار الآن. والخيارات واضحة بالنسبة للثنائي، إما سليمان فرنجية أو لا رئيس في بعبدا. وهذا ما يجري تطبيقه والتصرف على أساسه.

طالما أن الحرب دائرة في غزة، لن تكون هناك رئاسة أو حلول. ومن الافضل إدراك هذه الحقائق.

الأطراف الدولية والإقليمية التي تريد التفاوض مع لبنان، في أي ملف كان، وخصوصاً أميركا وإسرائيل، إنما تفاوض راهناً الرئيس برّي، نيابة عن حزب الله. وقبل انتهاء ولاية الرئيس عون، كانت تفاوض برّي ولا تزال.

إن انتخاب رئيس للجمهورية الآن، مهما كانت شخصيته وبرنامجه، سيحجب عن الرئيس برّي موقعه، الذي حصل عليه بفعل الأزمة. فلماذا التغيير؟ وما فائدته سوى العرقلة وزيادة المعترضات؟!

القرار المالي والنقدي يدور الآن في فلك الرئيس برّي. وبالتالي، رضى الثنائي.

بمعنى آخر، أي انتخاب لرئيس مهما كانت صفاته، سيأخذ من طريق وحجم ما يتمتع به رئيس مجلس النواب الحالي.

كان رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، واضحاً في رسم وتحديد الحدود السياسية الراهنة، وللأوضاع الكارثية التي يعيش فيها، من دون حرج أو ارتباك، حين قال خلال زيارته إلى الجنوب، التي نسّقها مع الرئيس برّي، جملته المختصرة والمكثفة الدالة: "المقاومة تقوم بدورها والحكومة تقوم بدورها". هكذا، ببساطة وسهولة ومن دون وجع رأس، أو حرج من أحد!

لهذه الأسباب كلها، على المعارضة وباقي القوى السياسية المواكبة، أن تفكر وتختار، إما إبقاء الأحوال على ماهي عليه الآن، بتوازناتها ونتائجها المعروفة، أو انتظار الرئاسة الموعودة، تماماً كما انتظار غودو؟!

يقرأون الآن