تمضي مسارات العلاقات الراهنة واتجاهاتها بين إسرائيل والولايات المتحدة في الوقت الراهن نحو مزيد من التشابك اللافت في ظل التأكيد على أن العلاقات ستمضي في أطر، وسيناريوهات محددة لحين التوصل إلى حل في غزة بعد استئناف مفاوضات الهدنة مجدداً، والتهدئة في الشمال حيث المواجهات الحذرة بين الجانبين الإسرائيلي وقوات "حزب الله".
ويبدو أنه لا توجد رغبة بالتصعيد رغم ما يجري، ويرتبط ذلك بالفعل، بالردع والردع المقابل، واستئناف سياسة الاغتيالات لعناصر الحزب الأمر الذي سيعيد ترتيب الحسابات السياسية والأمنية على طول منطقة الحدود، ويذكر بالترتيبات التي جرت بعد حرب يونيو 2006، وبما يؤكد أن الأمور ستمضي في سياقات متعددة، وفي ظل مستجدات طارئة بالفعل. تنتظر الولايات المتحدة زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في 24 يوليو الجاري لإلقاء كلمة أمام مجلس الشيوخ والكونجرس يؤكد فيها على حدود الشراكة الأميركية الإسرائيلية ومجالات الدعم، وغيرها من قضايا تمثل بنوداً ثابتة في منظومة الحوار الاستراتيجي بين البلدين، وبما قد يؤكد على ثوابت ما يجري من تطورات تمس جوهر العلاقات، وتدفع بضرورة الانتقال من التجاذبات الحالية إلى الاتفاق على الحد الأدنى من الخلافات السياسية خاصة في رفح وتجاه "حزب الله" والتعاون الإقليمي وصفقتي "إف 15"، "إف35"، وخيارات من نوعية الاتفاق على حل الدولتين، وهو ما سيدفع الإدارة الأميركية للتأكيد على عدة أمور أهمها أن بقاء الأوضاع على ما هي عليه سيؤثر على أمن إسرائيل المطالبة بالتجاوب، ولو التدريجي مع ما يطرح، وعدم التوقف عند خيار القوة وممارستها على الأرض في ظل التصعيد المحتمل من بعص الفصائل الإقليمية ضد إسرائيل في الفترة المقبلة بصرف النظر عن انتهاء حرب غزة، والشروع في تنفيذ كامل للترتيبات الأمنية، والاستراتيجية في عمق القطاع مع العمل على تسكين جبهة الشمال لبعض الوقت.
ويبدو واضحاً أن الولايات المتحدة لا تريد حرباً جديدة، ولن تؤيد بطبيعة الحال أية محاولات إسرائيلية لجس نبض إيران، ووكلائها في الفترة المقبلة الأمر الذي يتطلب وفق الرؤية الأميركية العمل على خيار التهدئة، واللا حل مع عدم الاتجاه إلى التصعيد في الوقت الراهن، والاتجاه لبناء مقاربة جديدة دون فرض استراتيجية الأمر الواقع التي تعمل عليها الحكومة الإسرائيلية في الوقت الراهن.
وفي ظل التطورات الجارية تعمل الإدارة الأميركية على عدم إعطاء الفرصة للحكومة الإسرائيلية، ولشخص رئيس الوزراء نتنياهو على تأليب "الديمقراطيين" على "الجمهوريين" في زيارته المقبلة لواشنطن ولقائه بالرئيس الأميركي إذ أن هذا الأمر سيدخل نتنياهو، وحكومته كطرف فاعل في مسار الحملة الانتخابية خاصة مع تخوف الرئيس الأميركي بايدن من تحولات، ولو شكلية من "ايباك" في إدارة العملية الانتخابية بصورة، أو بأخرى ما قد يقيد مسار التحرك الأميركي على الأرض، ويقلل من مساحات التوافق التي تسعى الإدارة الأميركية الراهنة للتوصل إليها، وفي ظل الحدود التي تتحرك فيها مسارات العلاقات بين البلدين بعد أن ثبت أن التباينات المطروحة بين الجانبين كانت مؤثرة على مسار المواجهات في غزة، ثم في تجاه "حزب الله"، وهو ما دفع الإدارة الأميركية مؤخراً للقيام بدور الوسيط عن قرب مع فرنسا في لبنان بعد أن تركزت الاتصالات الأميركية مع الوسطاء في الإقليم بشأن حرب غزة، وبما يؤكد أن الوسيط الأميركي لا يريد أن يحصر مسارات التحرك في ظل ما يجري من جانب واحد في غزة من قبل الحكومة الإسرائيلية، وبما يؤكد على أن إسرائيل - ووفق التصور الأميركي- عليها أن تعمل في اتجاهات التجاوب مع ما تدعو إليه الإدارة الأميركية في التوقيت الراهن خاصة، وأن إسرائيل ليس لديها القدرة على الحرب في أكثر من جبهة في التوقيت نفسه، وهناك تخوفات أميركية تدفع بضرورة المضي قدما في خيارات توافقية على الأقل لحين إجراء الانتخابات الرئاسية.
في المجمل يمضي هذا التصور الأميركي تجاه إسرائيل في تمرير المطالب الإسرائيلية خارج الكونجرس، ووفق بند الطوارئ الفيدرالية الممنوح للرئيس الأميركي ولوزير الخارجية، وهو ما تم حيث سبق للوزير أنتوني بلينكن أن وقع صفقة تحت هذا البند الطارئ ما قد يعطي دلالات مهمة حول ما سيجري من سياسات توافقية متعلقة بالجانبين، ويدفع بقوة للتعامل الحذر، وعدم الصدام بالفعل في الفترة المقبلة. يبدو مشهد العلاقات في حاجة إلى إعادة ترتيب أولويات، ومهام يمكن البناء عليها، والعمل وفق نظامها المقترح سياسياً واستراتيجياً.
يمكن التأكيد إذا على أن ما يربط واشنطن وتل أبيب في الوقت الراهن حرص مشترك على عدم الصدام، والعمل على مساحات من التوافق، ولو المرحلية للتوصل لحل لبعض الأزمات حيث الرهانات التي يطرحها كل طرف في مواجهة الآخر لتحقيق أهدافه الرئيسة في إطار ما يجري من خيارات تتطلب العمل على أكثر من مسار، وفي إطار من الاتجاهات المتعددة انتظار لمرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.