لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين. قاعدةُ عامة غالبًا ما تُنسى أو تُغفل، وخاصةً حين يتعلق الأمر بديمقراطيات عريقة، أو تعتبر كذلك. قِدَمُ الديمقراطية لا يكفى لاستمرارها إن فقدت مقوماتٍ أساسية. والثقافة الديمقراطية أهم هذه المقومات. فالديمقراطية ليست مجرد انتخابات ومؤسسات منتخبة، بل ثقافة فى المقام الأول. ثقافةُ مجتمعية تقوم على احترام التعدد والتنوع والاختلاف، وقبول الآخر مهما كان الخلاف معه، والاعتراف بالخسارة ومن ثم السعى إلى تعويضها.
ومؤدى هذا كله هو الإيمان بأن الوصول إلى السلطة وسيلةُ لتنفيذ برامج أو خطط يُفترض أن تجعل أوضاع البلاد والعباد أفضل. هذا ما يؤمن به، ويتصرف على أساسه، الديمقراطيون الذين لا توجد ديمقراطية فى غيابهم. وحين يحدث غير ذلك، ناهيك عن عكسه أو نقيضه، فى بعض ما تُعتبر، أو بالأحرى كانت تُعد، ديمقراطيات عريقة، فهذا يعنى أنها تسير فى طريق الأفول الذى يقود إما إلى انهيار أو إلى أحد أشكال الديكتاتورية ما لم يكن فى النخب السياسية من يدركون أن عصر النمط الديمقراطى التمثيلى انتهى، ويقودون تحولاً باتجاه إضفاء طابع تشاركى شعبى عليه.
وفى غياب ما يدل على أن هذا الاحتمال ممكن، فلا مستقبل لدول ديمقراطية كانت عريقةً بعد أن فقدت النخب السياسية وقطاعات واسعة من الجمهور فيها الثقافة التى لا يعيش نظام ديمقراطى بدونها. تحولت السلطة من وسيلةٍ إلى هدف. فهذا رئيسُ سابق رفض الاعتراف بخسارة الانتخابات، ودعم تحركًا فاشلاً لمنع التصديق عليها، ومازال يعتبر نفسه الفائز فيها. فقد تماهى مع السلطة التى يُحبُها ولا يطيق فراقها. وهذا أيضًا حالُ رئيس تشبث بترشيحه لولايةٍ ثانية برغم تراجع قدراته الذهنية والبدنية، وإلحاح كثير من أنصاره عليه ليتنحى, إلى أن قال المالُ كلمته وأوقف التبرعات لحملته فاضطر للانسحاب على مضض. وفى بلدٍ آخر يُعدُ من الديمقراطيات العريقة أيضًا رئيسُ لا يستطيع التعايش والعمل المشترك مع من يختلفون معه، ويتحايلُ على نتيجة الانتخابات التشريعية أملاً فى مواصلة الانفراد بالسلطة.
حبُ السلطة يتعارض مع أهم مقومات الديمقراطية، فما بالك حين يكونُ الحُبُ جمًا.
الأهرام