في أعقاب اغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، أعلن المرشد الإيراني أنه يجب الرد على انتهاك إسرائيل سيادة إيران، وعلى رغم مرور أكثر من أسبوع على اغتيال هنية لم تتخذ طهران أي خطوة تجاه ردها على إسرائيل التي بفعلتها أثبتت سقوط قوة الردع الإيرانية، وأنه بإمكانها، أي تل أبيب، مهاجمة أراضيها وتنفيذ عمليات عبر تجنيد "الموساد" لعملاء في الداخل، كما يمكنها مهاجمة أكثر من جبهة في ما يعرف بـ"محور المقاومة"، وكأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أراد اتباع نهج "وحدة الساحات" لكن بالطريقة الإسرائيلية، أي إثبات قدرته على مهاجمة أكثر من جهة في الوقت ذاته، مما اتضح مع تنفيذ عمليتي اغتيال هنية والقائد العسكري في "حزب الله" فؤاد شكر.
وفي حين تنبأ بعضهم بأن الرد الإيراني آتٍ لأنه لا بد لها من إعادة بناء قوة الردع أمام إسرائيل وأن الرد لن يختلف عن سيناريو نيسان/ أبريل الماضي حينما ردت على قصف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، إلا أن هناك متغيراً جديداً في السياق الحالي، وهو جهود دبلوماسية تبذل لإقناع إيران بعدم الرد والتصعيد حتى لا تندلع حرب إقليمية، وفي حين صرح المسؤولون الإيرانيون بأن طهران لا تريد إشعال حرب إنما لا بد من الرد، جاءت الدبلوماسية الأردنية فحاول وزير الخارجية تهدئة الأجواء، وعقدت منظمة التعاون الإسلامي أمس الأربعاء اجتماعاً استثنائياً في مدينة جدة السعودية، مقر المنظمة، للجنة التنفيذية على مستوى وزراء الخارجية لبحث اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية ودانت الاعتداء على سيادة إيران. كذلك أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أنه لا ينبغي لأحد أن يصعد الصراع، مؤكداً الدخول في دبلوماسية مكثفة مع الحلفاء والشركاء وأنه تم نقل هذه الرسالة مباشرة إلى إسرائيل وإيران، كما أبلغ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بأن التصعيد الإيراني سيضر بالاستقرار الإقليمي بصورة دائمة.
هل تتدخل إيران في المواجهات بين "حزب الله" وإسرائيل؟
كل الجهود الدبلوماسية وإدانة الدول الإسلامية في المؤتمر الاستثنائي قد تتخذها إيران مبرراً لعدم الرد، لا سيما أن هناك تخوفاً من عدم امتصاص إسرائيل الضربة وتوجيه أخرى أكبر لها، في ظل حسابات نتنياهو نحو التصعيد وجر واشنطن إلى حرب في الإقليم.
وجاء خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله ليشير إلى أن إيران غير مجبرة على الرد وأن رد "حزب الله" قد يأتي أحادياً أو بالتنسيق مع جبهات أخرى.
وربما يكون اختيار يحيى السنوار قائد الجناح العسكري في "حماس" رئيساً للمكتب السياسي خلفاً لإسماعيل هنية من ضمن الرد الإيراني، فالسنوار معروف بعلاقاته القوية مع طهران على عكس بعض قيادات "حماس" التي لها علاقات بتركيا وقطر، ومن ثم فإن اختياره يدعم جناح الحركة المرتبط بإيران.
وسبق للسنوار أن قال "لدينا مئات الكيلومترات من الأنفاق وآلاف الصواريخ ولم نكُن لنصل إلى هنا لولا إيران"، وأكد أن "حماس" لن تقطع علاقاتها مع النظام في طهران.
وفى هذا الإطار هنأ القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني السنوار، كما هنأه اللواء سلامي معتبراً أن تعيينه بعد اغتيال سلفه إسماعيل هنية سيثير قلق إسرائيل.
ويقوم التصور الإيراني الآن على أن ظروف الحرب تطورت على نحو لم تعُد هناك مساحة لمفاوضات السلام، وتنفذ العمليات العسكرية حالياً تحت قيادة يحيى السنوار، وأوكلت إليه رئاسة المكتب السياسي. ومن ثم في حال فشل المفاوضات لا يعود السياسيون يقومون بأي دور ويقع العمل في أيدي المسلحين، لذا تعتبر إيران أنه بهذا الاختيار فإن مسألة مفاوضات السلام مستبعدة في هذا الوضع وأن المستقبل سيحدده الميدان.
يبدو أن إيران التي أعلنت على لسان باقري كني أن الرد سيكون في المكان والتوقيت المناسبين، تدرس رداً يعيد لها قوة الردع لكن في الوقت ذاته يجنبها ضربات انتقامية إسرائيلية، وربما تعتبر أن الجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية ذريعة لعدم القيام بردّ، لكن في المقابل فإن اختيار السنوار يعزز جبهة طهران ويرجح العمليات العسكرية في المنطقة على حساب المفاوضات والتسويات السلمية، والواقع أن إيران تشعر بارتياح لاختيار السنوار.