وفاة

جرت وفاة التيك التوكر المغربية "ملاك" التي اشتهرت بنشر مقاطع الرقص على تيك توك، في قصر برلماني سابق بمدينة بني ملال قبل أيام، عاصفة من الجدل في البلاد، لاسيما بعدما أطلق خبراء ومتخصصون وحقوقيون تحذيرا من خطر تلك المنصة وتأثيرها على المراهقين فتيات وفتيانا.

وفي السياق، اعتبر أحمد الدافري، أستاذ التواصل والإعلام في حديثه لـ"العربية.نت" أن الوقوف أمام الكاميرات، والرقص أو الغناء والظهور بمظهر جذاب عن طريق التجمل من خلال الماكياج أو باستعمال الفيلترات، أصبح منتشرا في صفوف بعض الشباب الباحث عن إبراز الذات، وإثبات الوجود في مجتمع أصبحت فيه فئة من الناس تبحث عن أقرب الطرق والمسالك لتحقيق حلم الثروة، وبلوغ حياة الرفاهية، وتلبية متطلبات العيش الذي أضحت فيه الكماليات أمورا أساسية".

كما رأى أن "عمليات الدردشة المباشرة عن طريق تيك توك، وما يتخللها من دخول في رهانات ومنافسات بين مجموعات في إطار تحديات ومطالبة المتابعين بالدعم المالي مقابل تلك التحديات، قد تعني أحيانا استعداد محترفي هذا النوع من أنشطة تيك توك لممارسة أمور منحطة، وقد تؤدي إلى أوضاع يمكنها خلق بيئة تتطور فيها بعض أنواع الفساد والجنوح السلوكي، مما قد يؤدي إلى ارتكاب الجرائم"، وفق تعبيره.

وأردف قائلا: "الشخص الذي يسعى إلى إثارة غرائز متابعيه في تيك توك عن طريق حركات ذات إيحاءات جنسية، بهدف زيادة عدد المشاهدات والحصول على أكبر عدد من اللايكات، يساهم في صنع نموذج فاسد للسلوك الاجتماعي، قد يتأثر من خلاله المراهقون والشباب".

إلى ذلك، حذر أستاذ الإعلام من أن "التنافس بين نشطاء تلك المنصة أو غيرها من مواقع التواصل الاجتماعي قد يؤدي أحيانا إلى تأجيج الصراع بينهم إلى حد الكراهية المؤدية إلى الانتقام، واقتراف أفعال يعاقب عليها القانون، كما حدث بين ناشطين مغربيين سابقا".

مخاطر تيك توك

من جانبه، أوضح الدكتور يوسف مزوز الكاتب العام للمركز الإفريقي للحماية المعلوماتية ورئيس اللجنة الاستشارية للاستعمال الأخلاقي والعادل للذكاء الاصطناعي بإفريقيا، أن استخدام تيك توك، مثل أي منصة تواصل اجتماعي أخرى، ينطوي على بعض المخاطر قد تصل في بعض الأحيان إلى نتائج مأساوية كقضية الفتاة التي تم العثور عليها ميتة في بني ملال والتي تعد حادثة قد تسلط الضوء على بعض من هذه المخاطر.

وأضاف: "إن حادثة التيك توكر المغربية تؤكد على أهمية الحذر واليقظة عند استخدام منصات التواصل الاجتماعي".

كما لفت إلى ضرورة توعية المستخدمين، وخاصة الشباب منهم، بالمخاطر المحتملة وتزويدهم بالأدوات اللازمة لحماية أنفسهم عبر الإنترنت.

وأردف في حديثه لـ"العربية.نت" أن صناع المحتوى عبر مواقع التواصل وخصوصا تيك توك قد تدفعهم الرغبة في زيادة المشاهدات إلى نشر محتويات قد تكون مخالفة للقواعد، خصوصا الفتيات اللاتي يستخدمن تيك توك لعرض أجسادهن أو مشاركة محتويات ذات طابع جنسي، الشيء الذي يجعلهن عرضة لعدة مخاطر كبيرة تتعلق بالصورة والأمان.

كذلك لفت إلى أن "بعض المحتويات ذات الطابع الجنسي قد تجذب أشخاصا يسعون لاستغلال أو مضايقة الفتيات الصغيرات".

وحذر مزوز من إمكانية استخدام هؤلاء الأفراد للمعلومات الشخصية للاتصال بالمستخدمين أو تتبعهم.

التنمر الإلكتروني

وأضاف رئيس اللجنة الاستشارية للاستعمال الأخلاقي والعادل للذكاء الاصطناعي بإفريقيا أن ظاهرة التنمر الإلكتروني والتشهير الجنسي مازالت تستفحل في العالم الرقمي، حيث إن الفتيات اللاتي يشاركن محتويات صريحة قد يصبحن هدفاً للتنمر الإلكتروني أو السخرية أو التشهير الجنسي.

إلى ذلك، نبه مما اعتبره فقدان السيطرة على الصورة بمواقع التواصل الاجتماعي حيث بمجرد مشاركة صورة أو فيديو، يمكن تنزيلها ونسخها ونشرها بدون موافقة صاحبها أو صاحبتها، وهذا قد يؤدي إلى انتشار غير منضبط للمحتويات الخاصة على الإنترنت.

كما حذر من التبعات المهنية والشخصية لمشاركة الصور أو الفيديوهات الصريحة، والتي تكون لها عواقب طويلة الأمد تؤثر على الفرص المهنية والعلاقات الشخصية، فضلا عن مشاركة المحتويات الصريحة التي قد تؤدي إلى ضغوط اجتماعية للحفاظ على صورة معينة أو تلبية توقعات المتابعين، مما قد يكون له آثار سلبية على الصحة النفسية وتقدير الذات.

وأوضح أنه "يمكن للأفراد استخدام المحتويات الصريحة للابتزاز، مهددين بنشرها علنًا ما لم تستجب الضحية لمطالبهم". وشدد على أهمية توعية الفتيات الصغيرات بالمخاطر المحتملة وتزويدهن باستراتيجيات لحماية صورتهن على الإنترنت، وكذلك مناقشات حول إدارة الخصوصية، واستخدام إعدادات الأمان المناسبة على وسائل التواصل الاجتماعي، وفهم التبعات طويلة الأمد لنشر المحتويات الصريحة.

إلى ذلك، دعت بشرى عبدو رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة إدارة تيك توك إلى تشديد المراقبة على بعض الصفحات وحذفها خصوصا تلك التي يديرها قاصرون وأطفال ليست لهم الأهلية لانتقاء المحتوى اللائق وذلك لحمايتهم والحفاظ على خصوصيتهم.

ودقت ناقوس الخطر بسبب التهديدات التي باتت تشكله تلك المنصة التي تسهل الدخول في لقاءات مباشرة والوصول إلى المعطيات خاصة بالنسبة للفتيات اللائي يقدمن على نشر مقاطع تتميز بالإثارة بغرض تحقيق المشاهدات وجلب التفاعلات ومن ثمة تحقيق الربح المادي السريع والسهل، بما يمكن أن يتسبب لهن في فقدان حياتهن كما حدث مع التيك توكر المتوفاة "خديجة" التي كانت معروفة باسم "ملاك" في مدينة بني ملال.

وتابعت رئيسة جميع التحدي للمساواة والمواطنة أن بعض السلوكات على تيك توك قد تصنف في خانة العنف الإلكتروني خاصة بعد تعرض صناع المحتوى للتنمر والسخرية، مضيفة أن هذه العلاقة بين تيك توك والفتيات على وجه الخصوص تكون سببا في شهرتهن ومن ثمة تخلق أيضا مشاكل لهن بسبب سهولة التواصل معهن.

العزلة عن العالم الخارجي

من جهتها، اعتبرت الدكتورة ليلى العمراني الأخصائية في العلاج المعرفي السلوكي أن محتوى تيك توك غير مناسب للأطفال والمراهقين الذين يتابعون محتوى عنيفا وقد يتعرضون للتنمر وأحيانا للعنف الجنسي ما قد يعرضهم للصدمة.

وأوضحت في حديثها مع موقع "العربية.نت" أن استهلاك المراهقين بشكل متوال لهذا النوع من المحتوى قد يخلق لديهم تطبيعا إزاءه ومن ثمة قد يقومون بسلوكات غير طبيعية وغير عادية بما أنهم لا يتوفرون على قدرة انتقائية لما هو مناسب من عدمه". ونبهت إلى أن تعلق الأطفال والمراهقين بالعالم الافتراضي الذي يدخلون إليه عن طريق تيك توك يتسبب بعدة مشاكل تتمثل في السهر والأرق وقد يصل إلى هجران الدراسة، كما أنه في بعض الأحيان قد يخلق انقطاعا عن التواصل الحقيقي ورفضا للعالم الخارجي الواقعي لا سيما بعد دخولهم في تحديات وقيامهم بسلوكات يكون لها تداعيات خطيرة على صحتهم النفسية والجسدية وقد تصل إلى حياتهم المستقبلية وسمعتهم كذلك.

وختمت داعية الأسر للقيام بدورهم في المراقبة والمتابعة والتدقيق في المحتوى الذي يستهلكه أبناؤهم والحرص على خصوصية معطياتهم الشخصية.

يقرأون الآن