تكنولوجيا

الرئيس التنفيذي لـ"غوغل": نحن نخسر معركة الوقت في مكافحة التغير المناخي

الرئيس التنفيذي لـ

سوندار بيتشاي - بلومبرغ

قبل عام، تعهّد سوندار بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة "غوغل"، بأن تتخلص شركته من الانبعاثات الكربونية الصادرة عن مكاتبها، ومراكز بياناتها خلال العقد المقبل. هذا يعني أنَّ كل عملية بحث عبر "غوغل"، وكل رسالة إلكترونية عبر "جي ميل" (gmail)، وكل فيديو "يوتيوب" ستنجز على مدار اليوم عبر استخدام الطاقة النظيفة محلية المصدر فقط، مما يشكل إنجازاً جديداً في عالم الشركات.

تتبع "غوغل" مساراً واضحاً في بعض الأماكن. فعلى سبيل المثال؛ في "باي فيو" (Bay View)، وهو أحدث مجمع في ماونتن فيو بولاية كاليفورنيا يُنتظر افتتاحه العام المقبل، تنتشر الألواح الشمسية داخل المباني في تصميم تطلق عليه "غوغل" اسم "دراغون سكايل" (Dragonscale).

كما تتوقع توليد 90% تقريباً من الطاقة التي تحتاج إليها من دون إطلاق غازات دفيئة، خصوصاً بعد شراء كم هائل من الطاقة المتجددة في أمريكا الجنوبية وأوروبا، بما في ذلك صفقة مزرعة رياح بحرية شاهقة الارتفاع بقدرة 92 من الميغاواط قبالة الساحل الشمالي عند بلجيكا. لكن "غوغل" بحاجة إلى الاعتماد على بعض مصادر الطاقة وتكنولوجيات لم توجد بعد في أماكن أخرى.

تناولت "بلومبرغ غرين" بشكل معمَّق، تفاصيل خطة "غوغل" لإزالة الكربون والتحديات التي تواجهها في إصدارها الأخير، فقد التقت بيتشاي في سبتمبر، الذي يشغل أيضاً منصب الرئيس التنفيذي لشركة "ألفابت"، الشركة الأم لـ"غوغل"، لمناقشة جهود الشركة.

يرى بيتشاي أنَّ التحول نحو الطاقة الخالية من الكربون، يمثِّل "فرصة إبداعية" من شأنها تعزيز الأعمال المستقبلية لـ"غوغل"، خصوصاً في مجال الحوسبة السحابية، برغم اعترافه أيضاً بأنَّ تحقيق هذا الهدف ربما يتطلب تضحيات غير مسبوقة من جانب الشركة.

كذلك؛ تحدث عن وجهة نظره بشأن أزمة المناخ، ومحادثاته مع قادة الأعمال الآخرين، والانتقادات التي تواجهها "غوغل" نظير عملها مع شركات النفط والغاز، والإرث الذي يأمل في تركه لأطفاله.

تمَّ تحرير المحادثة واختصارها بغرض الإيجاز والوضوح وفق الآتي:

ما الذي تحاول إنجازه في هذا المجمع الجديد؟

كنا كثيراً كشركة نهتم بمساحاتنا الخاصة. ففي البداية، كنا نتبنى وجهة نظر تفيد أنَّ تصميم مساحات شاسعة قد يؤثر بالفعل في الإنتاجية والثقافة. لذلك؛ فإنَّ الكثير من تفاصيل هذا المبنى توضح قيامنا بما نريده بشكل صحيح، و تشييدنا لهذه المساحة الرائعة والشاسعة والإضاءة الجيدة.

لكن كجزء من ذلك، أردنا أن يُضرب بنا المثل في الاستدامة. بطريقة ما، يمكنك التفكير في التكنولوجيا كمصدر مفتوح. فحينما يُطرح برنامج مفتوح المصدر نقوم جميعاً باستكمال البناء وفقاً لأساسياته. ولذلك؛ نحن نقوم بأمور مرئية، ونشارك كل شيء يتعلق بكيفية فعل ذلك. وأعتقد أنَّه سيتم تكرار الأمر واعتماده، وسنتعلم الكثير أيضاً. كما أنَّ حقيقة إمكانية بناء مبنى يتسم بالجمال بطريقة فعالة من ناحية التكلفة، وطريقه تحقق وفورات هائلة في الطاقة -وإظهار إمكانية فعل كل شيء- كانت تشكِّل جزءاً كبيراً للغاية من الجهود الساعية نحو الاستدامة.

من الواضح أنَّ الألواح الشمسية الخاصة بـ"دراغون سكايل" كانت تشكِّل ميزة كبيرة. بالنسبة إلي، هو شيء يوضح بكل بساطة أنَّ بناء الألواح الشمسية على الأسقف قد يكون رائعاً من الناحية الجمالية، ويحقق وفورات في الطاقة وما إلى ذلك. وبشكل عام؛ فإنَّ هذا الأمر يتناسب مع موضوع دفع التكنولوجيا وحدود ما هو مسموح.

مزرعة الرياح في بحر الشمال، التي تساعد في تشغيل مركز بيانات "غوغل" في سان غيسلين، بلجيكا. تضم مزرعة الرياح هذه أكثر من 40 توربيناً للرياح، وتقع على بعد حوالي 23 كيلومتراً من ميناء زيبروج البلجيكي المصدر: غوغل
 مزرعة الرياح في بحر الشمال، التي تساعد في تشغيل مركز بيانات "غوغل" في سان غيسلين، بلجيكا. تضم مزرعة الرياح هذه أكثر من 40 توربيناً للرياح، وتقع على بعد حوالي 23 كيلومتراً من ميناء زيبروج البلجيكي

أسعار الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في اتجاههما للانخفاض، لكن هناك أجزاء من هدف التخلص من الانبعاثات الكربونية على مدار الساعة، مثل بطاريات الليثيوم أيون والطاقة الحرارية الأرضية، تعتبر تجريبية وقد تكون باهظة الثمن. هل أنت قلق بشأن التكلفة؟

الاعتماد على الطاقة المتجددة بمثابة انطلاقة عملاقة، كما نُعرِّفها. لذلك؛ فإنَّ الأمر مرهق بعض الشيء، لأنَّنا لا نملك كل الإجابات الكاملة اللازمة لتحقيق مثل هذه الانطلاقة. لكن إذا عدت بالذاكرة إلى وقت شراء كل هذه المشتريات الهائلة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، فسأقول، إنَّ التكلفة كانت مشكلة.

خلال الأعوام العشرة الماضية، انخفضت تكلفة طاقة الرياح بنسبة 70%، وكذلك الطاقة الشمسية بنسبة 90% تقريباً. لذلك؛ فإنَّنا نراهن بطريقة ما على هذا المنحنى التكنولوجي، وهذا يبعث في نفوسنا الراحة. إذا كنت ما تزال في بداية الاستثمار أو التكنولوجيا، عليك إدراك أنَّ الأمور تأخذ شكل المنحنى.

كذلك، نحن نمد مركز بيانات نيفادا التابع لنا بالطاقة الحرارية الأرضية للمرة الأولى، ونأمل أن تكون هذه خطوة أولى. فنحن بإمكاننا جلب تقنيات حديثة، وحل مشكلات جديدة كجزء من ذلك، وتوفير التمويل الأولي لبعض هذه المشروعات، ثم دفع هذا المنحنى إلى أسفل. إنَّه دور نعتقد أنَّه بإمكاننا القيام به في النهاية المبكرة للدورة.

ما هو ردك إذا قالت "وول ستريت" إنك تستثمر الكثير من المال في هذه الأمور؟

أولاً؛ وقبل كل شيء، و على أساس عملي للغاية، أعتقد أنَّ موظفينا يطالبون بهذه الأمور لأنَّها أمور قيمة، وهي أمور كانت مراراً لدينا. وبشكل عام؛ فهي من شأنها مساعدتنا على استقطاب وتوظيف أفضل المواهب بمرور الوقت. وهذا أحد الأمثلة على دراسة الجدوى للمشروع.

لكن صدقاً، أود أن أقول، إنَّه عندما تعمل على مثل هذه التقنيات، وتجري هذا النوع من البحث والتطوير والابتكار، لن تشهد أبداً سوى المزيد من الفوائد المختلفة لمشروعك. ويبدو أنَّ اكتشافنا لكيفية تبريد مبانينا بشكل أكثر كفاءة يشق طريقه لأن يصبح عرضاً سحابياً بمرور الوقت. فنحن نستخدم الذكاء الاصطناعي لتحويل الأحمال عبر مراكز البيانات، ونستخدمه أيضاً لتحسين مستوى التبريد. وكل هذه الأمور ستشق طريقها إلى الأعمال التي نجريها عبر "غوغل" و"ألفابت". لذلك؛ أعتقد أنَّ الاستثمار في الابتكار التكنولوجي الأقوى سيحقق عائداً استثمارياً إيجابياً بمرور الوقت.

هل أنت متفائل بشأن أزمة المناخ؟

أنا متفائل. لكني أشعر بتوتر وقلق شديدين، لأنَّنا نضيع الوقت.

الخبر السار هو أنَّ الناس أصبحوا أكثر وعياً بشأن أزمة التغيرات المناخية عن ذي قبل، وهذا ما أشعر به بشدة. أما الخبر السيئ؛ فهو أنَّ بعض هذا الوعي يأتي في وقت يرى فيه الناس أمثلة واقعية لهذا النوع من الأحداث المناخية المترابطة. أتمنى لو وصلنا إلى هذه اللحظة قبل عقد من الزمان.

لكن بعد قول هذا، أشعر بالتفاؤل في بعض اللحظات التي أدرك فيها بأنَّ هناك نقطة تحول، فالجيل القادم ينظر إلى هذه الأزمة في الأساس باعتبارها أولوية مختلفة، وهذا يشعرني بتفاؤل طويل الأمد.

أما القلق، فيأتي من حقيقة إدراكنا بأنَّنا بالفعل في حالة يرثى لها من الناحية العلمية، وهذا هو الأمر الأكثر إلحاحاً. لكني أنظر إلى ما حدث في العقد الماضي، وقد أعطيتك مثالاً على طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، وكيفية تغيرهما في غضون 10 أعوام بشكل أكبر مما توقَّعنا.

بالنظر إلى السيارات الكهربائية، وكيف كانت قبل 10 أعوام، أنا متأكد من وجود تكهنات حقيقية تتساءل بشأن: هل سيحدث هذا الأمر على الإطلاق؟ والآن، لا أعتقد أنَّ أي شخص سيشكِّك في ذلك، فالمركبات ستصبح كهربائية، والالتزامات جارية، والتحوّل يحدث. وعلى هذا المنوال؛ فإنَّني أرى جهوداً جارية في المجالات كافة، وهذا يشعرني بالتفاؤل.

هل هذا أمر تتحدث عنه مع قادة الأعمال الآخرين؟ وكيف تبدو هذه المحادثات؟

من المفارقات أنَّ موضوع الاستدامة في معظم المحادثات مع الرؤساء التنفيذيين الآخرين -قد يشكِّل جزءاً من مشروع خدمات سحابية أو أي شيء من هذا القبيل- يأتي فعلياً ضمن أجندة الرؤساء التنفيذيين لكل شركة نعمل معها تقريباً.

لماذا يُعد هذا الأمر مفارقة؟

ما أعنيه هو أنَّ الأمر لا يبدو على الأرجح كما يظهر من الخارج. إذا كان لدي اجتماع لمدة نصف ساعة؛ فإنَّ الاستدامة تكون جزءاً منه، حتى لو لم تكن الشركتان تفعلان شيئاً مباشراً بشأن الاستدامة.

متى تغير هذا الأمر؟

حدث تغير حاد وقد شعرت بهذا خلال الـ18 إلى 24 شهراً الماضية. هناك محادثات حقيقية بشأن الإفصاحات البيئية والمجتمعية والحوكمة، إذ يرغب الناس في فهم كيفية قيامنا بذلك. إنَّهم جميعاً يحاولون اكتشاف كيفية تقديم الالتزامات، وكيفية التأكد من قدرتهم على إنجاز عمل ذي قيمة. إنَّها محادثات كبيرة وذات أولوية كبيرة في الوقت الراهن.

شيء واحد ذكرته أنت وفريقك، يتمثل في رغبتك في أن يكون هذا الأمر قابلاً للتكرار. ما الذي تود قوله لشركة أخرى ترغب في التخلص من الانبعاثات الكربونية، لكن ليس لديها قيمتك السوقية ذاتها، أو موهبتك الهندسية؟

أود الإشارة إلى بعض الأمور. أشعر بشكل أساسي أنَّ عليهم فعل ذلك على أي حال بمرور الوقت، وبالتالي؛ من المهم خوض الرحلة مبكراً. إنَّها فرصة للابتكار، وفرصة للتحول الثقافي، ففكرة القيام بشيء ابتكاري تغير الفكر التنظيمي للمرء. وبالنسبة إلى الأشخاص الذين يتطلعون إلى التحول، فهو في الواقع فرصة حقيقية. وإذا لم تفعل هذا بشكل صحيح، فلن تتمكَّن من جذب المواهب على مر الزمان.

هل ترى ذلك في البيانات؟

من الناحية العملية، لا أعرف ما إذا كنا سنشهد أي شيء إذا لم نقم بما قمنا به، لكني أعتقد أنَّنا سنرى تأثيراً. إنَّه سؤال جيد. نحن لم نقم باختبارات (أ) و(ب)، لكن عندما أنظر إلى الجيل الأصغر سناً -ممن هم في عمر المراهقة الآن- لا أجد أنَّهم يختارون العمل لصالح شركة يشعرون أنَّها تلوث العالم. أعتقد أنَّ العقلية البشرية ستتغير.

بمناسبة هذا الحديث، ومع إيضاحك لمدى أهمية هذا الأمر بالنسبة إليك بشكل شخصي. ماذا يخبرك أطفالك حول هذه القضية؟

هذا موضوع كبير. كانت هناك لحظة حاسمة قبل عام تقريباً من اليوم أثناء حرائق الغابات في خليج كاليفورنيا.تباحثنا كثيراً في هذا الشأن، وطرحوا أسئلة عديدة. إنَّها فرصتنا لتحويل العالم إلى مكان جيد لصالح الجيل القادم. لذلك أشعر بهذا الأمر وكأنَّه واجب أخلاقي، وكل والد إلى حد كبير ستكون لديه المشاعر ذاتها.

لقد ذكرت التحديات التي تواجهها الشركات التي يُنظر إليها على أنَّها مسبِّبة للتلوث أثناء عملية التوظيف. فقد انتقد بعض موظفيك عملك في مجال الحوسبة السحابية مع شركات النفط والغاز. هل ترى أنَّ هذه الانتقادات تأتي بنتائج عكسية للهدف الذي تعمل من أجله 24 ساعة، ولـ7 أيام في الأسبوع؟

نحن نعمل مع شركات في جميع القطاعات، ولدينا سياسات واضحة للاستخدام المقبول، وقد أوضحنا مبادئ الذكاء الاصطناعي. في الواقع؛ أشعر بأهمية مساعدة الشركات الرائدة لشركائها، والمساعدة في تحول صناعة الطاقة إلى الطاقة المتجددة، كما أنَّ الذكاء الاصطناعي سيلعب دوراً في هذا الشأن.

هل تعتقد أنهم يتحركون بسرعة كافية؟

يمكن مصادفة العديد من الناس المختلفين في مراحل مختلفة من الرحلة، لكن بعض الأشخاص يفكرون بجدية في التحول. أعتقد أنَّ السياسة ستكون عاملاً أساسياً في هذا الأمر، لذلك طالبنا بوضع سياسات تستهدف تحديد أهداف أكثر فعالية لخفض الانبعاثات، وما إلى ذلك.

نحن نعمل مع شركات الطاقة من خلال الخدمات السحابية، والعائدات التي تأتينا من هذه الشركات ربما تمثِّل أقل بكثير من 0.1% من عائداتنا، لكنَّني مؤمن بأهمية تفكير الكثير منهم في التحول عند تقديم التكنولوجيا رسمياً. ونحن نريد أن نلعب دوراً في هذا التحول.


بلومبرغ الشرق

يقرأون الآن