هل تخطف النساء عرش الطب من الرجال؟

في عالم الطب، حيث يكون كل قرار حاسماً، تعدّ جودة الرعاية الصحية مسألة مصيرية. فبينما يسعى الأطباء، رجالاً كانوا أم نساءً، إلى تقديم أفضل ما لديهم من مهارات وخبرات، تظهر الأدلة مؤخّراً أن للنساء أفضلية في تقديم الرعاية الصحية.

هل يمكن أن يكون هذا صدفة أم هناك عوامل أعمق تفسّر هذه الظاهرة؟

أظهرت دراسة نشرتها مجلة "JAMA Internal Medicine" في عام 2017، أجراها فريق بقيادة يوسوكي تسوجاوا من كلية الطب في جامعة هارفارد، أن المرضى الذين تلقّوا الرعاية الأساسية من طبيبات كانوا أقل عرضة للوفاة بنسبة 4%، وأقل عرضة لإعادة دخول المستشفى في غضون 30 يوماً بنسبة 4%، مقارنة بأولئك الذين كانت رعايتهم الأساسية على يد أطباء رجال. وتعادل هذه الفائدة الملحوظة في معدلات الوفيات ما يمكن تحقيقه من تحسينات في العلاجات والتكنولوجيا في عقد من الزمان.

في العام نفسه، نُشرت دراسة في مجلة "BMJ" أجراها باحثون كنديون وأميركيون، كشفت عن أن المرضى الذين أُجريت لهم عمليات جراحية في أونتاريو بين عامي 2007 و2015 كانوا أقل عرضةً للوفاة أو العودة إلى المستشفى أو مواجهة مضاعفات بنسبة 4%، حين كانت جرّاحات نساء يجرين الجراحة.

وتشير الدراسات الأخيرة، إلى أن المرضى يحققون نتائج أفضل عند علاجهم على يد طبيبات أو جرّاحات، أو في فرق طبية تضمّ عدداً أكبر من النساء. وتدعم هذا الاستنتاج أبحاث شملت نحو مليون مريض في أونتاريو، و2,7 مليون مريض مصابين بأمراض الجهاز الهضمي في نفس المقاطعة، و770 ألف أميركي مسنّ يعانون من حالات طبية مختلفة.

مع ذلك، تعتمد هذه الدراسات على بيانات طبيعية قد تخفي عوامل أساسية تؤثر على النتائج، مثل احتمال أن تُكلَّف الطبيبات بمرضى أكثر صحة. ورغم الجهود المبذولة لمراعاة مختلف العوامل، تؤكّد البيانات أن الطبيبات يحققن نتائج أفضل.

يبحث الباحثون حالياً في الأسباب التي تجعل الطبيبات الإناث يقلّلن من معدلات الوفيات التي يمكن تجنّبها. ويرى الدكتور كريستوفر واليس، الذي قاد العديد من الدراسات الكندية، أن السبب ليس وجود أو غياب الكروموسوم Y، بل يرتبط بسلسلة من السلوكيات المرتبطة بالجنس.

وأظهرت الدراسات أن الطبيبات الإناث يقضين وقتاً أطول مع المرضى، ويقدّمن رعاية وقائية بشكل أكبر، ويلتزمن الإرشادات السريرية بشكل أدق مقارنة بزملائهن من الذكور. ويبدو أن هذه العناية تؤثر بشكل أكبر على المرضى الإناث، حيث أظهرت الأبحاث أن المريضات الإناث هنّ أقل عرضة للوفاة بعد العلاج على يد طبيبة مقارنة بطبيب ذكر.

فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة في عام 2021 أن المريضات الإناث تحت رعاية جراحات إناث كنّ أقل عرضة للوفاة بنسبة 25%، في حين كانت النسبة لدى المرضى الذكور 13%.

يتجاوز الفرق في الرعاية بين الأطباء الذكور والإناث مجرد التفاهم الأفضل الذي تقدّمه الطبيبات للمرضى من النساء، فالاستجابة الأفضل للمرضى من النساء مقارنة بالذكور تثير تساؤلات تتطلّب استكشافاً أعمق. لفهم هذه الفروقات وكيفية تحسين الممارسات الطبية، يتعيّن على الأطباء التركيز على أن حكمتهم ومهارتهم الشخصية تظل بنفس أهمية التقدّم التكنولوجي في الطب.

في ختام هذه الرحلة، يتضح أن النساء قد يحملن مفاتيح جديدة للتميز في مجال الطب. بينما تستمر الدراسات في تقديم رؤى جديدة حول الأسباب وراء تفوق الطبيبات، يبقى التساؤل قائماً: هل يمكن أن تشكّل هذه الظاهرة بداية عصر جديد من الريادة النسائية في الطب؟ إن الإجابة عن هذا السؤال قد تفتح آفاقاً جديدة لتحسين الرعاية الصحية وجعلها أكثر إنصافاً وفعالية، ما يرفع مستوى الأمل لمستقبل طبي أكثر إشراقاً.

يقرأون الآن