بينما لا يعلم الجميع قدرات العراق في إنتاج العسل، سلط تقرير لمنظمة (UNDP) التابعة للأمم المتحدة، الضوء على الحياة في ناحية سنوني التابعة لقضاء سنجار، لافتاً إلى أن الحياة هناك "أكثر حلاوة".
وبحسب التقرير الأممي، يمتلك سالم وشقيقه عيسى منحلاً في مسقط رأسهما سنوني، ينتج ما يكفي من العسل لتغطية جميع نفقات معيشتهم. يوضح سالم قائلاً: "أبيع أيضاً خلايا النحل الجديدة لزملائي في المهنة. نقسم خلايا النحل الحالية إلى خلايا جديدة كل عام وتستمر بعدها الخلايا في النمو".
ونقل التقرير، عن سالم، قوله: "يتميز العسل المنتج في منحلي بأنه مختلف عن الأنواع الأخرى، وأحرص على تزويد السوق المحلي بأجود وأفضل الأنواع المستخدمة في العلاج، خاصة في الوصفات الطبية لالتهابات الجلد والقرحة والأمراض الأخرى".
إنتاج العسل في خطر
في قلب المجتمع الريفي العراقي، لطالما ارتبط إيقاع الحياة بوجود النحل، إن إنتاج العسل، الذي كان يوماً ما رمزاً للثراء والتقاليد، يواجه الآن انحداراً حاداً في انتاجه، مما يؤثر ليس فقط على سبل عيش النحالين، ولكن أيضاً على النسيج الثقافي لهذه المجتمعات.
ووفق التقرير، فإن التحديات كثيرة، حيث تغير المناخ وانتشار الأمراض بسبب الممارسات الزراعية القريبة من المناحل يفرضان عبئاً ثقيلاً على انتاج هذه المناحل، إذ أن استخدام المواد الكيميائية في المزارع وكذلك هجمات الحشرات المتكررة ادت إلى تفاقم الوضع، مما أدى إلى انخفاض ملحوظ في إنتاج العسل.
وبحسب التقرير الأممي، أدى نقص الغطاء النباتي في العديد من المناطق إلى زيادة الضغط على تربية النحل، حيث يؤثر بشكل مباشر على توافر الموارد الطبيعية اللازمة لازدهار النحل، مما أدى إلى ندرة العسل في الأسواق المحلية، مع معاناة جودة العسل المتوفر في الاسواق أيضاً. في كل عام، يواجه النحالون معركة شاقة، في محاولة للتكيف مع هذه الظروف المتغيرة باستمرار.
ويواصل النحالون، المعروفون بإيجادهم الحلول لغرض التكيف، البحث عن حلول، ومع ذلك، فإن أحد التحديات الأكثر إلحاحاً التي يواجهونها هو توفير الغذاء الكافي لنحلهم خلال المواسم التي يصبح فيها العثور على الغذاء صعباً، حيث أصبح شراء الآلات لإنتاج طعام النحل أمراً ضرورياً الى العديد من الناس، لأنه يضمن بقاء المنحل وكذلك استمرار تدفق العسل الذي يدعم أسرهم والاقتصاد المحلي.
لقد تفاقم الوضع خلال الأيام المظلمة لسيطرة داعش، والتي جلبت الدمار للمنطقة. أدى احتلال المناطق إلى تدمير معظم المناحل واختفاء النحل بالكامل تقريباً، وخاصة في المناطق المحاصرة لفترات طويلة. لمدة عامين، حيث توقفت تربية النحل، ومعها فقدت الطريقة لتربيتهم.
ومع ذلك، في خضم هذه التحديات، يواصل مربي النحل في العراق اصرارهم وعزمهم على استعادة منحلهم وكذلك سبل عيشهم. قصتهم ليست مجرد قصة انحدار في إنتاج العسل، بل هي شهادة على قوة اصرار المجتمعات التي ترفض السماح لتقاليدها بالاندثار.
يحافظ مشروع تعزيز القدرة على الصمود من خلال العمل (BREP) التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع الجمعية الالمانية لمكافحة الجوع في العراق (WHH) وبتمويل مالي مقدم من قبل وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية الاتحادية (BMZ) والمقدمة من خلال بنك التنمية الألماني (KfW)، حيث يعملون على استمرار عملية انتاج العسل لسالم وعيسى وذلك من خلال المشاريع التي تنفذ عن طريق مشروع القدرة على الصمود.
تم تطوير مشروع تعزيز القدرة على الصمود من خلال العمل بعد تحرير المناطق من سيطرة داعش، وبدء عودة النازحين إلى منازلهم، غالباً إلى مجتمعات تنعدم فيها الخدمات الاساسية تقريباً وكذلك فرص العمل، حيث يهدف البرنامج إلى دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، مثل المشاريع الزراعية الصغيرة كمزارع الخضروات وتربية النحل، وتوفير فرص للأسر العائدة لكسب الدخل وإنتاج الإمدادات الغذائية وتمكين الأفراد، والمساهمة في الإمدادات الغذائية المحلية.
حتى الآن، تم دعم أكثر من 1181 مؤسسة صغيرة ومتوسطة الحجم من خلال التدريب، أو التوجيه، أو الدعم العيني، أو المنح مثل سالم.
مع تحرير مناطق العراق ودعم المساعدات الدولية، تعود الحياة تدريجياً إلى المجتمعات التي دمرها داعش. سالم، مربي النحل، هو واحد من العديد من المستفيدين من هذه الجهود. حيث تلقى تدريباً ومنحة لشراء آلة تنتج طعاماً للمنحل الخاص به، مما يضمن إمداداً ثابتاً من العسل عالي الجودة للسوق المحلية.
كما اكتسب سالم وشقيقه عيسى مهارات في إدارة الأعمال والتسويق، مما ساعدهما على إعادة بناء سبل عيشهما، وتعطي مشاريع الدعم هذه الأولوية للأسر الضعيفة، بما في ذلك العائدين والنازحين، وتضمن عودة امنه وكريمة لهم مع توفر بداية جديدة لحياتهم.
إيجاد الحلول المستدامة
لا يزال النحل بحاجة إلى الغذاء، في مواسم الركود، أي خلال فترة الاشهر من آب إلى آذار. حيث سعى سالم، الخبير في تربية النحل، إلى حل مشكلة الغذاء التي كان يواجها خلال فترة الركود هذه لضمان تغذية المنحل بما يكفي لإنتاج العسل. وبفضل المشروع، حصل على التمويل اللازم لشراء المعدات لإنتاج "طعام النحل" الخاص به، وهو مزيج من حبوب اللقاح والفيتامينات والبروتين وعسل النحل. وبهذا، أصبح الآن قادراً على تلبية احتياجات المناحل الأخرى المحيطة، بما في ذلك منحلة، مما يضمن استمرار إنتاج العسل في السوق المحلية. قبل تدخل مشروع تعزيز القدرة على الصمود من خلال العمل، كان النحالون يشترون الطعام من بغداد بأسعار مرتفعة، ولكن الآن يمكنهم الحصول عليه بسهولة في سنوني بأسعار أقل وجودة أعلى.
عسل "سالم" يحدث ضجة
اليوم، في منطقة سنوني المغطاة بالخضرة في محافظة نينوى، يواصل النحل عمله الحيوي، حيث ينتج العسل من الزهور البرية بدلاً من الاعتماد على المحاصيل الزراعية. سالم، وهو مربي نحل، يشاركنا كيف يجد عسله طريقه إلى السوق حيث يقول: "في مجتمعاتنا الصغير، يعرف الجميع من أين يحصلون على أفضل عسل. أنا ببساطة أستقبل مكالمات من الجيران وأبيع لهم مباشرة".
مؤخراً، وسّع سالم نطاق نشاطه من خلال إنشاء صفحة على وسائل التواصل الاجتماعي لبيع العسل، حيث يشارك أيضًا رؤى حول تربية النحل وعملية صنع العسل. وقد اجتذب هذا عملاء من مناطق مختلفة، ليس فقط من أجل العسل، ولكن أيضاً من أجل منحلة.
ويختتم سالم بحقيقة بسيطة لكنها قوية: "يُباع عسلنا جيداً لأنه يتمتع بطعم لذيذ. أفضل طريقة لتسويقه هي تقديم جودة ممتازة. يعرف الجميع من أين يشترون أفضل عسل، والآن، من خلال صفحتي على وسائل التواصل الاجتماعي، يمكنني الوصول إلى المزيد من العملاء".
مستقبل تربية النحل في العراق
يواصل مربي النحل المشاركون في هذا المشروع ازدهارهم، حيث يزيدون بشكل سريع من عدد المناحل مما يعزز دخلهم. وفي حين لا يزال العديد منهم يعملون على نطاق محلي صغير، فقد سمح لهم انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بتوسيع قاعدة عملائهم. ومع تزايد الاهتمام والخبرة الفنية، يبدو مستقبل تربية النحل في العراق مزهراً.