في مدينة بغداد القديمة، وتحديداً شارع الرشيد يقع "مرطبات الحاج زبالة" أحد أشهر محلات بغداد التجارية، والذي ذاع صيته محلياً وإقليمياً ودولياً رغم اسمه الغريب إلا أنه تميز بشرابه وزبائنه من مختلف الطبقات وفئات المجتمع العراقي.
وما زال مرطبات حجي زبالة يحافظ على التراث البغدادي القديم، رغم أن جدرانه ممتلئة بالصور لملوك ورؤساء ووزراء ومثقفين ومفكرين، حيث تواجدت فيه العديد من الشخصيات المشهورة محلياً وعربياً وعالمياً لتذوق شراب حجي زبالة.
وتحدث صاحب المحل الحاج محمد عبد، نجل الحاج زبالة، عن افتتاح المحل الذي يعود إلى عام 1900، وكانت بداية تأسيسه في منطقة الكرخ، ومن ثم انتقل لشارع الرشيد بالقرب من شارع المتنبي بعد مرور 12 عاماً، وهو قريب من السراي الحكومي القديم ووزارة الدفاع وساعة القشلة وساحة الميدان، حيث مركز مدينة بغداد القديمة.
ويضيف: "الاسم الحقيقي للحاج زبالة هو (عبد الغفور)، لكن اسم زبالة جاء من والدته التي لم يكن يعيش لها ولد، وقررت تسميته بهذا الاسم ليعيش، وهذا كان من العادات والمعتقدات السائدة.
نجل حجي زبالة، أكد أن الملوك والرؤساء والوزراء في العراق بالتعاقب سجلوا حضورهم لتناول شراب زبيب الحاج زبالة، بدءاً بمؤسس الدولة العراقية الملك فيصل الأول وولي عهده الملك غازي الذي كان كثير الحضور للمحل وصولاً إلى ابنه الملك فيصل والوصي على العرش عبد الإله، فضلاً عن رئيس الوزراء آنذاك الباشا نوري السعيد الذي كان يحضر بشكل شبه يومي في حين كانت الملكة عالية (والدة الملك فيصل الثاني) ترسل سائقها الشخصي ليشتري لها الشراب.
ويستكمل الحاج محمد ابن الحاج زبالة، "الرؤساء في العهد الجمهوري جميعهم زاروا المحل، فضلاً عن السفراء وأعضاء البعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية، كذلك المثقفين والمفكرين ورواد شارعي المتنبي والرشيد، كما أن السياح الذين زاروا العراق سجلوا حضورهم".
وأكمل أن "محل حجي زبالة شهد تواجد الزعيم عبد الكريم قاسم، وملك المغرب محمد الخامس حين زار العراق عام 1960، وأيضاً الرئيس الجزائري أحمد بن بلة عندما زار البلاد عام 1962".
ونوه إلى أن "رئيس النظام السابق صدام حسين جاء إلى المحل برفقة ملك الأردن الحسين بن طلال والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات عندما انعقدت القمة العربية عام 1990 في العاصمة بغداد، ومن بعدها برفقة الرئيس المصري محمد حسني مبارك الذي زار العراق في نفس العام".
وختم حديثه بالقول إن "شراب حجي زبالة الذي نقدمه لرواد المحل وكذلك للزبائن، هو عصير خالص ومن دون أي نكهات أو مطيبات عدا السكر، كذلك نوعية الزبيب المستخدم الذي نحصل عليه في الغالب من إقليم كوردستان فضلاً عن المستورد من بعض الدول الآسيوية"، مبيناً أن سعر القدح الواحد ألف دينار (أقل من نصف دولار).
ويشهد محل الحاج زبالة الشاهد على مختلف الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي عاشها العراق عبر أكثر من قرن، تواجد المئات من رواده الذين يحرصون على شراء العصير من المحل الشهير.
جزء من تاريخ العراق المعاصر
ويكشف أبو علي، صاحب إحدى المحال بشارع الرشيد، أنه يقتني يومياً العديد من الأقداح لعماله وكذلك لضيوفه كنوع من أنواع الضيافة. مؤكداً أن "الشراب طبيعي جداً ومفيد، ونحرص منذ سنوات على الشراء منه"، لافتاً إلى أنه "تربطنا علاقة طيبة مع أصحاب محل حجي زبالة".
وفي هذا السياق، أكد حسن سعدون، أحد رواد شارع المتنبي، أنه عند حضوره إلى شارع المتنبي والقشلة والمركز البغدادي والمحيط بهذه المناطق في أيام الجمع والعطل الرسمية، يحرص على زيارة مرطبات الحاج زبالة حيث يختتم جولته بزيارته والشراء العصير منه.
ولفت إلى أن محل الحاج زبالة "جزء من تاريخ العراق المعاصر، حيث تجد التاريخ معلق على جدرانه، من صور لشخصيات محلية وإقليمية ودولية زارته إلى تصميم المحل الذي يعد وفق الطراز البغدادي القديم والمحافظ على تاريخها، وما أهميته إلا لإن الجيل الجديد سيتعرف على ماضي بغداد والعراق القديم بطريقة مبسطة".
وزاد أن، الكثير من الشباب والعوائل عندما يأتون إلى شارعي المتنبي والرشيد، يحرصون على ختام الزيارة بالشراب من مرطبات الحاج زبالة الذي يثير اسمه أحياناً دهشة الكثير من زبائنه لمعرفة السبب وراء تسميته.