فيما تستعد إيران لاحتمالات التصعيد المحتمل في الوضع الإقليمي، بما في ذلك المواجهة مع إسرائيل، فأنها تكثف جهودها من أجل تعزيز حدودها مع شعورها بالقلق بشكل خاص من جماعات المعارضة الكردية الإيرانية المتمركزة عبر الحدود في العراق والذين تتهمهم بالارتباط بتل أبيب.
وذكر موقع "أمواج" البريطاني في تقرير، أنه أمام احتمال التصعيد المحتمل للحرب الاستخباراتية مع إسرائيل، واحتمال اندلاع حرب مفتوحة لها تداعيات داخل حدودها، فإن إيران تستغل الآن فرصة واضحة لملاحقة خصومها الكرد.
وبعدما أشار التقرير إلى إطلاق الحرس الثوري وابلاً من الصواريخ والطائرات المسيرة على أربيل مدعياً استهداف قاعدة للموساد، وهو هجوم أثار انتقادات السلطات الكردية، ثم أعدمت إيران أربعة أعضاء من حزب "كومله" الكردي اليساري، قال إن السلطات الإيرانية طالبت دوماً بتفكيك جماعات المعارضة الكردية الإيرانية المتمركزة عبر الحدود.
سلاح المعارضة الإيرانية
وتابع التقرير قائلاً إن هذه الحركة الإيرانية تصاعدت منذ توقيع اتفاق أمني مع العراق في العام 2023، في حين تعرضت سلطات إقليم كردستان لضغوط متزايدة من الحكومة الاتحادية في بغداد، من أجل نزع سلاح جماعات المعارضة الإيرانية، ونقلهم إلى مناطق محددة في الإقليم.
ونقل التقرير عن نائبة رئيس "كومله" فاريبا محمدي، قولها إنه "أبلغنا منذ العام الماضي أننا بحاجة إلى الانتقال كجزء من الاتفاق بين إيران والعراق، إلا أن الضغوط في الأسابيع الأخيرة تزايدت".
وبعدما لفت التقرير إلى تمركز "كومله" بالقرب من السليمانية، وأن قواعده الثلاث تعرضت للهجمات الصاروخية من جانب إيران خلال السنوات الماضية، نقل عن محمدي قولها إن الاتفاق بين طهران وبغداد وسلطات إقليم كردستان، والمعطل منذ فترة طويلة، لنقل "كومله" قد تم التوصل إليه الآن، وأن الجماعة قبلت به على مضض.
وبرغم ذلك، قال التقرير إنه ما يزال من غير الواضح متى سيتم نقل مقاتلي الجماعة وعائلاتهم إلى المعسكرات المخصصة.
وبحسب محمدي فإن طهران تخشى من المقامرة التي تقوم بها في المنطقة، في إشارة إلى المواجهة المتصاعدة بين "محور المقاومة" الذي تقوده إيران وبين إسرائيل، وهي تكثف الضغوط على خصومها الكرد في إطار جزء من إستراتيجية لتعزيز حدودها.
ونقل التقرير عن محمدي قولها إن المنطقة الأوسع متوترة بعد هجوم تشرين الأول/ أكتوبر 2023 من جانب حماس على إسرائيل وتجدد العداء الذي تعد إيران طرفاً فيه، معتبرة أن قيام إسرائيل بقتل زعيم حركة حماس إسماعيل هنية في طهران "أحرج إيران وأظهر أنها في ورطة عميقة".
وتابعت محمدي أنه "عندما لا تستطيع الجمهورية الإسلامية محاربة أعدائها، فأنها عادة ما تهاجم الكرد لأننا الهدف الأسهل".
ضغوط إيرانية عبر بغداد
ونقل التقرير عن المتحدث باسم حزب الحرية الكردستاني خليل نادري، المقيم في أربيل، قوله إن حزبه تعرض أيضاً لضغوط مماثلة من إيران عبر السلطات العراقية، مشيراً إلى أنه بالنظر إلى الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي تجد حكومة إقليم كردستان نفسها فيها، فإن حزب الحرية بذل أقصى جهده من أجل تلبية المطالب.
وبحسب نادري "لقد فعلنا ما طلب منا مثل إغلاق قواعد تدريبنا والابتعاد عن المنطقة الحدودية وتسليم أسلحتنا الثقيلة وتجنب الظهور العلني بالبنادق"، متهماً طهران بطرح مطالب غير منطقية هدفها النهائي هو تفكيك أحزاب المعارضة الكردية كافة، بما في ذلك تلك التي تتبع المقاومة السلمية.
وتابع نادري أن الإيرانيين "يريدون وضع هذه الأحزاب في معسكرات خارج سيطرة حكومة إقليم كردستان، أو يقدمون بين الحين والآخر قائمة بأسماء أشخاص من هذه الأحزاب، ليتم تسليمهم إليهم كمجرمين".
ولفت نادري إلى أن مشكلة إيران الرئيسية هي مع الكرد داخل إيران، وليس مع هذه الأحزاب الصغيرة.
توجيهات صارمة
وحول حزب الحياة الحرة الكردستاني المتحالف مع حزب العمال الكردستاني، قال التقرير إنه يبدو أنه لم يشهد أي تغيير حقيقي خلال العام الماضي حيث يتواجد أعضاء المجموعة في المنطقة الجبلية على الحدود مع إيران في محافظة السليمانية، ويعمل هذا الحزب بشكل ملحوظ خارج نطاق حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الحزب المسيطر في المحافظة.
وأشار التقرير إلى أن الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني نشر إلى جانب "كومله" عدة وحدات من البيشمركة على الحدود مباشرة، مقابل مقاطعة أذربيجان الغربية الإيرانية، إلا أن السلطات الكردية في الإقليم أجبرت المقاتلين على تفكيك قواعدهم والتراجع إلى واد عميق داخل محافظة أربيل.
ونقل التقرير عن مصادر مطلعة قولها إن السلطات المحلية أبلغت أيضاً جماعات المعارضة بأنه لن يتم التسامح مع أي عملية عبر الحدود ضد قوات الأمن الإيرانية.
ولفت التقرير إلى أن جماعات المعارضة الكردية الإيرانية تقول بوضوح إنها ستحترم تعقيدات إقليم كردستان والامتناع عن ارتكاب ما قد يقوض مضيفيها، على الرغم من معارضتها للاتفاقية الأمنية الإيرانية العراقية.
نيجيرفان بارزاني
وذكر التقرير أنه "طوال العقود الثلاثة الماضية، لم ينجح الحرس الثوري في تنفيذ حملات الاغتيالات والعمليات عبر الحدود وبالقصف المدفعي والطائرات المسيرة والصواريخ، لطرد خصومه الكرد"، مضيفاً أنه "في ظل هذه المواجهة المستمرة، فإن أحد الأشخاص الذين تعاملوا مع الإيرانيين بشكل منتظم هو رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني".
وتابع التقرير أنه "قبل ساعات من اغتياله في شمال طهران، شوهد رئيس حركة حماس إسماعيل هنية جالساً بجوار بارزاني في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بيزشكيان".
وأضاف التقرير أن طهران وقبل ستة شهور فقط، كانت تتهم السلطات الكردية باستضافة قواعد الموساد في أربيل وأطلقت صواريخ باليستية على فيلا في المدينة، ليست بعيدة عن مقر إقامة بارزاني والقاعدة الأمريكية في المطار.
وقال التقرير إنه "مع عقود من الخبرة في التعامل مع المستويات العليا في الجمهورية الإسلامية والحكومات الغربية، كان من الممكن أن يهمس بارزاني الذي تحول إلى سياسي ماهر يتمتع بحنكة دبلوماسية، في أذن هنية أنه من أجل البقاء في هذه المنطقة المضطربة، يجب على الزعيم الفلسطيني ألا يقترب أكثر مما يجب من أي مركز قوة".
"الدفاع الأمامي"
وخلص التقرير إلى القول إن إيران وعلى مدى أربعة عقود، أنفقت موارد هائلة على بناء شبكة التحالف الإقليمي الممثلة بـ"محور المقاومة"، وهو جزء من إستراتيجية "الدفاع الأمامي" الشاملة، الموجهة للتصدي لأعدائها على أرضهم، مضيفاً أن التحرك الأخير ضد جماعات المعارضة الكردية هو جزء من تلك الإستراتيجية.
وتابع التقرير أنه "بينما حققت طهران نجاحاً محدوداً حتى الآن، إلا أنه من السابق لأوانه الحكم على النتيجة النهائية لجهودها الرامية إلى إخضاع جماعات المعارضة الكردية".
وختم التقرير بالقول إنه "يبدو أن مصائر خصوم إيران من الكرد، متشابكة مع التوتر الإقليمي الأوسع بين إيران ومحور المقاومة من ناحية، وإسرائيل وداعميها الغربيين من ناحية أخرى".
ونقل التقرير عن مسؤول مطلع في المعارضة الكردية قوله إنه في هذه المواجهة الأوسع بين الطرفين، فإن الكرد، سواء أحبوا ذلك أم لا، هم في المعسكر الغربي، وأن إيران يمكن أن تشن ضربة أخرى على إهداف في إقليم كردستان.
ونقل التقرير عن المصدر الكردي المعارض قوله إن "طهران نجحت في سحق المعارضة بوحشية خلال احتجاجات 2022، وهي من خلال اتخاذ الإجراءات الأخيرة ضد جماعات المعارضة، فأنها تستعد لاضطرابات محتملة داخل حدودها في المستقبل".
وفي إشارة إلى تحذيرات المرشد الأعلى الإيراني بشأن الانتقام القاسي لمقتل هنية، خلص المصدر الكردي المعارض إلى القول إن "خامنئي لن يجرؤ على ضرب إسرائيل بقوة، لكنه إذا فعل ذلك، فهو يعلم أن الحرب يمكن أن تندلع، وأنه من أجل محاربة العدو الخارجي، فإنه بحاجة إلى وحدة داخلية".