بعد التحقيق معه، أمرت النيابة العامة التمييزية ممثلة بالقاضي جمال حجار، بتوقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة على ذمة التحقيق، بـ"شبهة" سرقة أموال مصرفية.
جاء هذا بعدما أرسلت هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان إلى القاضي حجار كتاباً للتحقيق مع سلامة بقضية تبييض أموال، إذ تبين أن لديه حساباً حوّل عبره أموالاً تفوق الـ 42 مليون دولار.
وادّعى النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم، على حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، بجرائم "الاختلاس وسرقة أموال عامة والتزوير والإثراء غير المشروع"، وذلك بعد أن ختم النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار تحقيقاته الأولية مع سلامة، وأودعها جانب النيابة المالية.
كما أحال إبراهيم الحاكم السابق مع الادعاء ومحاضر التحقيقات الأولية على قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي، طالباً استجواب سلامة وإصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقه سنداً لمواد الادعاء المشار إليها.
الاستجواب قريب
من المقرر أن يبدأ القاضي حلاوي اعتباراً من اليوم الخميس، الاطلاع على الملفّ على أن يحدد موعداً لاستجواب سلامة يوم الجمعة أو الاثنين المقبلين.
وبعد الاستماع إليه، سيحدد القاضي بلال حلاوي إما تركه رهن التحقيق بكفالة مالية، أو إصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقه، وفقًا للأدلة الموجودة أمامه.
في السياق، أوضحت مصادر قضائية مطّلعة، أن الادّعاء على الحاكم السابق للمصرف المركزي أتى نتيجة إثباتات حول تهريب سلامة لأموال من المصرف المركزي إلى حسابه الخاص مقابل ما يُسمّى "حساب الاستشارات"، وهو حساب خاص بأتعاب المحامين الذين يتعاملون مع سلامة والمصرف مقابل استشارات قانونية.
وأشارت المصادر إلى أن الأموال التي خرجت من مصرف لبنان إلى "حساب الاستشارات" بلغت قيمتها 42 مليون دولار، حوّلت تباعاً إلى حساب أحد المحامين المقرّبين من سلامة الذي عاد وحوّل المبلغ نفسه إلى حساب مصرفي آخر لأحد أفراد عائلة سلامة، ومن ثم حوّل المبلغ إلى حساب رياض سلامة المصرفي.
كما يرتبط حساب الاستشارات التابع لسلامة بما يُعزف بملف "أوبتيموم"، الذي يعود إلى الفترة ما بين 2015 و2018، حيث باع مصرف لبنان الشركة المذكورة سندات دين عام ثم قام بشرائها في اللحظة نفسها بأسعار أعلى.
ونتج عن هذه العمليات أرباح بقيمة 8 مليارات دولار، لم تتّضح هوية المستفيدين منها بعد.
45 عملية مالية
وأوضح الباحث الاقتصادي منير يونس للعربية أن تقريراً لشركة "كرول" الدولية للتدقيق بالحسابات كشف وجود 45 عملية بين مصرف لبنان و"أوبتيموم" وفروقات كبيرة بالأسعار ببيع سندات الخزينة تفوق 8 مليارات دولار.
ولفت إلى أن توقيف سلامة يأتي ضمن سياق ضغط دولي كان آخره زيارة عدد من القضاة الفرنسيين إلى بيروت الشهر الماضي ولقائهم قضاة في النيابة العامة التمييزية، وحثّهم على ضرورة القيام بواجبهم تجاه الملفات المالية المرتبطة بحاكم مصرف لبنان السابق، وعدم التذرّع باستحالة توقيفه لأنه متوار عن الأنظار كما يدّعون في حين تم رصده في أكثر من مكان ومنتجع سياحي في لبنان ويعيش حياته بشكل طبيعي.
كما تأتي هذه الخطوة القضائية قبل أسابيع من صدور تقرير دولي قد يُدرج لبنان على اللائحة الرمادية، أي أنه بلد غير متعاون في مكافحة الجرائم المالية وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
ولفت يونس إلى أن حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري كان قدّم معلومات إلى مجموعة المال الدولية FATF المعنية بالتصنيف، أشار فيها إلى أن القطاع المصرفي في لبنان قام بواجباته في تطبيق قواعد الامتثال، لكن التقصير موجود لدى القضاء اللبناني، لذلك أتت خطوة النائب العام التمييزي بتوقيف سلامة.
واعتبر يونس أن تصنيف لبنان بالقائمة الرمادية يُرتّب مخاطر كثيرة على اللبنانيين، أبرزها التحويلات المالية من الخارج (تتراوح بين 8 و10 مليارات دولار سنوياً) التي يعتاش منها الاقتصاد اللبناني واللبنانيون.
الجدير ذكره أنه منذ توقيف سلامة بدأت تدور التساؤلات حول التدخلات السياسية في القضية، خصوصا أن الرجل يُعتبر "الصندوق الأسود" للمنظومة الحاكمة وكاتم أسرارها المالية، وما إذا كانت الخطوة القضائية بمثابة "طوق نجاة" له كي لا يمثل أمام القضاء الأوروبي الذي طلب من الإنتربول جلبه لمحاكمته في قضايا اختلاس مالي وتحويلات مشبوهة.
مذكرتا توقيف وإنتربول
يشار إلى أن اللبنانيين يحمّلون سلامة مسؤولية تبديد ودائعهم وتدهور الليرة اللبنانية، ويأملون أن تُشكّل خطوة توقيفه فرصة لجلب مسؤولين سياسيين في الطبقة الحاكمة شركاء لسلامة في إفقار اللبنانيين وتبديد جنى أعمارهم.
وكان النائب العام التمييزي طلب قبل أسابيع من مصرف لبنان تزويده بمعلومات عن ملف "أوبتيموم"، إضافة إلى تحويلات مالية تجاوزت قيمتها 111 مليون دولار جرت بين عامي 2015 و2020 تبيّن أن المستفيد الأساسي منها هو حاكم مصرف لبنان السابق.
ومنذ 3 أعوام، دخل سلامة في مسار قضائي محلي وأوروبي للاشتباه بمراكمة ثروات عقارية ومالية على حساب المال العام وتحويله الأموال إلى حسابات في الخارج و"الإثراء غير المشروع".
بناء على التحقيقات، أصدرت قاضية فرنسية في باريس والمدعية العامة في ميونيخ العام الماضي مذكرتي توقيف بحقه جرى تعميمهما عبر الإنتربول.