تشهد الأوضاع الأمنية والسياسية في سوريا تعقيدات متزايدة، خاصة فيما يتعلق بوجود “حزب الله” اللبناني وانتشاره قرب الحدود السورية اللبنانية، حيث تزايدت الضغوط على الحزب في الآونة الأخيرة نتيجة الرقابة الشديدة من قبل إسرائيل، التي تعتمد بشكل كبير على العملاء على الأرض لرصد تحركات حزب الله وعناصره وقياداته قرب الحدود.
وتشير المعلومات التي حصل عليها المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى أن سلاح حزب الله الموجود في عدد كبير من المستودعات قرب الحدود السورية اللبنانية لم يعد قابلاً للنقل بأي شكل من الأشكال باتجاه لبنان.
ويعود السبب في ذلك إلى الرقابة الشديدة والرصد المتواصل والمتابعة من قبل إسرائيل، خصوصاً عبر العملاء على الأرض في سوريا الذين تم تجنيدهم بهدف تتبع تحركات الحزب، ما يعزز حالة الجمود ويمنع أي محاولات لنقل الأسلحة إلى لبنان.
في السياق ذاته، شهد المزاج الشعبي في سوريا تحولات كبيرة تجاه “حزب الله” اللبناني. فالجمهور المعارض للنظام، الذي كان يعتبر الحزب أحد أركان ما تعرف بالمقاومة ضد إسرائيل وركناً أساسياً للدفاع عن فلسطين، بات ينظر إلى الآن “حزب الله” اللبناني بشكل مختلف تماماً بعد تدخله العسكري الكبير في سوريا. اليوم، حيث باتت هذه الشريحة ترى أن “حزب الله” اللبناني اليوم لم يعد كما كان في حرب 2006، بل بات يمثل طرفاً مختلفاً أساسياً في سوريا لمساندته النظام ودفاعه عنه بشراسة ضد مطالب السوريين بالحرية منذ بداية الحراك السوري في العام 2011.
وعلى الجانب الآخر، لم تعد نظرة الموالين للنظام تجاه “حزب الله” اللبناني كما كانت في السابق أيضاً، حتى في مناطق الساحل السوري أبرز معاقل النظام وحاضنته الشعبية. هذا الامتعاض يشمل ضباط وعناصر من قوات النظام، إضافة لشريحة واسعة جداً من المدنيين في المحافظات الخاضعة لسيطرة النظام، حيث باتوا يعبّرون عن عدم تحملهم لأي حرب جديدة في سوريا، ويرون أن أي صدام مع إسرائيل ليس لصالح سوريا وسيؤدي إلى انهيار شامل للأوضاع الإنسانية والاقتصادية، خاصة مع تزايد أعداد الفقراء وتفشي البطالة وباقي الظواهر الاجتماعية السلبية.
وقد طالب مؤخراً الكثير من المواطنين في محافظتي حمص وطرطوس ومدينة بانياس بإخلاء المنازل التي يستأجرها إيرانيين وأشخاص عاملين مع الميليشيات الإيرانية خشية استهداف هذه المنازل من قبل إسرائيل مما سيؤدي إلى تضرر المدنيين بشكل كبير.
من جهة أخرى، هناك ضباط في قوات النظام يعبّرون عن استيائهم من دور “حزب الله” اللبناني في سوريا. ووفقاً لمصادر خاصة للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن هؤلاء الضباط يركزون حالياً على الحفاظ على ما تحقق بعد استعادة النظام لمساحات واسعة من البلاد، ويرفضون أي تورط في حرب إقليمية جديدة قد يسعى إليها الحزب. كما يؤكد الضباط أن قوات النظام باتت منهكة بعد سنوات طويلة من الحرب، وأنهم غير مستعدين ليكونوا جزءاً من أي صراع إقليمي قد يورطهم فيه الحزب، مشيرين إلى أنهم سيلجؤون إلى اعتزال الجبهات والعودة إلى منازلهم في حال اندلاع حرب مع إسرائيل.
وذكرت مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنه وقبل أيام أقدم عناصر من مخابرات النظام على توقيف عدد من الأشخاص ضمن أحد المقاهي في مدينة طرطوس، ولدى سؤال العناصر عن هويات هؤلاء الأشخاص وبعد أن تبين أنهم من منطقة عكار في شمال لبنان، قاموا بترحيلهم إلى بلدهم، ووفقاً لصاحب المقهى فإن عناصر الأجهزة الأمنية التابعة للنظام تدقق بشكل كبير على الأشخاص الذين يحملون هوية لبنانية خشية الضربات الجوية الإسرائيلية.
ويواجه “حزب الله” اللبناني في سوريا تحديات كبيرة في ظل التغيرات في المواقف الشعبية والأمنية، سواء من الجمهور المعارض أو الموالي للنظام، إضافة إلى الموقف من بعض ضباط قوات النظام. كل هذه العوامل تضع الحزب أمام معضلة كبيرة في سوريا، وسط ضغوط داخلية وخارجية متزايدة.
وسبق للمرصد السوري لحقوق الإنسان، أن أكد مؤخراً عبر مصادره من داخل قوات النظام، تلقي القطع العسكرية التابعة لقوات النظام في مناطق القنيطرة وريفي دمشق ودرعا، القريبة من الجولان السوري المحتل، تعليمات جديدة للمرة الثانية على التوالي بمنع استخدام هذه القطع لإنطلاق أي استهداف من قبل المجموعات الموالية لإيران و”حزب الله” اللبناني تجاه الجولان. كما توجّهت التعليمات أيضاً إلى منع تواجد عناصر الحزب والمسلحين الموالين لإيران داخل هذه القطع العسكرية.
وتكبد “حزب الله” اللبناني خسائر كبيرة بالأرواح والعتاد خلال الاستهدافات الإسرائيلية لمواقعه ومقراته وآلياته وأفراده داخل الأراضي السورية لاسيما بعد بدء حربها على غزة في 7 تشرين الأول من العام الماضي، حيث كثّفت إسرائيل من هجماتها على الأراضي السورية عبر غارات جوية وضربات برية متواصلة. استهدفت هذه الهجمات بشكل خاص مواقع ومباني وآليات مرتبطة بالميليشيات المدعومة من إيران و”حزب الله” اللبناني. كما شملت الاستهدافات مواقع ومستودعات وثكنات عسكرية تابعة لقوات النظام، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى بين العسكريين والمدنيين وتدمير الأهداف المستهدفة.
وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، 109 مرة قامت خلالها إسرائيل باستهداف الأراضي السورية، 76 منها جوية و33 برية، أسفرت تلك الضربات عن إصابة وتدمير نحو 221 هدفاً ما بين ومستودعات للأسلحة والذخائر ومقرات ومراكز وآليات.
وتسببت تلك الضربات بمقتل 287 من العسكريين بالإضافة لإصابة 187 آخرين منهم بجراح متفاوتة.
المرصد السوري