اختيار الرئيس الإيراني مسعود بزكشيان بغداد في أولى زياراته الخارجية بعد تنصيبه، لم يأتِ بشكل عفوي، ولم يكن بدافع العلاقات المتميزة بين البلدين كما صرح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقچي. ولكن عقب الزيارة سيتوجه الرئيس الإيراني إلى نيويورك لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا سبب آخر ليكون العراق وجهته الأولى، ليؤكد على أهمية العراق الجيوسياسية لإيران.
من طرف آخر، جاء الإعلان عن الزيارة بعد إعلان بغداد على لسان المستشار الأمني لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني عن تفاهم مع واشنطن لانسحاب القوات الأميركية من العراق، وهي رسالة لواشنطن أرادت طهران إيصالها عبر الزيارة. الرسالة مفادها أن إيران ستملأ الفراغ حال الانسحاب، والعلاقة مع العراق أولوية، والزيارة تعكس ذلك.
وبالرغم من أن المراقبين لا يتوقعون أيّ انسحاب من العراق، وأن العملية مجرد تفاهم على الانسحاب وهو مرهون بواقع منطقة الشرق الأوسط الأمني، وأن أميركا غير مستعدة للانسحاب من العراق كما أكد ذلك قبل أيام مسؤول في البنتاغون قائلا “نحن على علم بهذه التقارير، لكننا لسنا مستعدين بعد للإعلان عن أيّ خطوات في هذا الوقت”. كما أن الولايات المتحدة غير راغبة في منح طهران فرصة للتغلغل بشكل أوسع في العراق. هذا ما يقوله الأميركان طبقا لتقرير نشره معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط.
من جانب آخر، يزور الرئيس الإيراني العراق في ظرف بالغ الحساسية بالنسبة إلى الوضع الداخلي، فقد طفت على السطح تسريبات تؤكد وجود خلاف يتعمق شيئا فشيئا بين قادة الإطار والسوداني، وهو ما ينذر بتفكك الإطار وهذا ما لا ترغب به طهران. مما يؤكد ذلك اشتمال برنامج الزيارة اللقاء بقادة الكتل السياسية، وربما تأتي الزيارة لتدعم موقف الإطار القريب من إيران. فالمعروف أن رئيس الوزراء العراقي لم يتقرب كثيرا من إيران، وأبقى على مسافة بين بغداد وطهران، مثلما كانت في عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.
إلا أن الإعلام الإيراني أوضح أن الرئيس الإيراني سيزور أربيل والبصرة، وسيلتقي مسعود بارزاني وسيفتح ملف تواجد قوات المعارضة الكردية الإيرانية هناك، ويؤكد على تطبيق الاتفاقية المبرمة بين العراق وإيران بشأن نزع سلاح المعارضة وإبعادها عن الحدود. كما يتوقع المراقبون أن بزشكيان سيتطرق في أربيل إلى ملف تواجد الموساد في الإقليم “كما تعتقد إيران”.
ولا يمكن أن ننسى الملف الأهم في هذه الزيارة، وهو الملف الاقتصادي. ويعلم الجميع أن إيران تعتبر العراق شريكا استراتيجيا لها، وفي ظل تدهور الاقتصاد والمعاناة من الضغوط والعقوبات الأميركية التي تواجهها، لا بد من الاستعانة بالعراق للتخفيف من الوضع المتفاقم لطهران. لذا رافق الرئيس الإيراني مجموعة من التجار ورجال الأعمال الإيرانيين وسيلتقي برجال الأعمال العراقيين، وسيعرض عليهم الفرص والمجالات التي يمكن لإيران أن تساهم فيها.
إن التركيز على الملف الاقتصادي كأولوية من قبل الرئيس الإيراني يعكس التحديات المستمرة التي تواجهها إيران في هذا السياق. فالوضع الاقتصادي يؤثر بشكل كبير على حياة المواطنين وقدرتهم على الوصول إلى الخدمات الأساسية، مما يجعل تحسين الوضع الاقتصادي أولوية لكل مسؤول.
لكن الوجهة الأهم في الزيارة والتي لا بد من التوقف عندها هي التأكيد على اللقاء بين رئيس مجلس القضاء القاضي فائق زيدان وبين الرئيس الإيراني. فالسؤال الذي يطرحه المراقبون هو: ما الغرض من اللقاء بين رأس السلطة القضائية في العراق وبين الرئيس الإيراني؟ ماذا يريد الرئيس الإيراني أن يمرره من خلال هذا اللقاء؟ في ظل اتهامات أميركية للقاضي زيدان بالتعاطف مع إيران، علما أن واشنطن طرحت مشروعا في يونيو لمعاقبة مسؤولين كبار في الدولة العراقية بتهمة “الولاء” وخدمة المصالح الإيرانية في العراق. ويبدو أن المشروع وضع رئيس أعلى هيئة قضائية في البلاد على رأس لائحة المستهدفين.
أما في ما يتعلق بالملف السياسي وعلاقات إيران بالعالم فإن النهج الإصلاحي الذي يتبعه الرئيس يعكس الرغبة في تحسين صورة إيران على الساحة الدولية وبناء علاقات أكثر إيجابية مع الدول. فهو يسير كما يبدو على نهج سلفيه حسن روحاني ومحمد خاتمي، وهو ما يحمل آمالا في تحقيق تقدم على هذه الأصعدة، لكن التحديات الداخلية والخارجية ستظل تشكل عقبة أمام تنفيذ هذه السياسات بصفة عامة، لكن الخطوة ربما ستساهم في إعادة تشكيل إستراتيجيات إيران على المستويين المحلي والدولي.
العرب