مخطئ من راهن على أن التصعيد العسكري بين إسرائيل ولبنان لن يصل إلى هذه المرحلة. ويخطئ أيضًا، في تقديري، من يتوقع أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيغوص في مستنقع التوغل البري بمعنى الاجتياح.
من تابع مسار العلاقة بين واشنطن وطهران منذ اغتيال الجنرال قاسم سليماني وصولاً إلى تبوؤ مسعود بزشكيان سدة الرئاسة، لا يغفل أن مساحات التفاهم تستوعب دخان الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة من غزة إلى سوريا ولبنان، فالعراق واليمن.
ما كان في الغرف المظلمة خرج إلى الواقع المؤلم:
إدارة الرئيس جو بايدن تراهن على إحياء اتفاق نووي مع طهران تتكئ عليه المرشحة كامالا هاريس كإنجاز إقليمي في مواجهتها الانتخابية الشرسة ضد الجمهوري دونالد ترامب. وهي، أي هاريس، تراهن على تفاهم كبير مع طهران بعد الانتخابات، تأمل من خلاله تحقيق جملة أهداف منها عزل روسيا، ومواجهة تمدد التنين الصيني في المنطقة، وأيضًا فرملة خطوات العودة السورية إلى الحضن العربي دون مباركة البيت الأبيض.
فيما تيقنت إيران أنَّ المحافظة على روح النظام، والحصول على إكسير الاقتصاد المنهار، يتطلب تجرع "التخلي" عن حلفائها في ميادين الشهادة والاحتماء خلف مقولة "لن ننجر إلى الحرب"!
في السياسة، لكل عمل عسكري هدف سياسي. أجادت طهران هذه الحرفة، فامتدت أذرعتها المسلحة لتغطي أهدافها السياسية.
اليوم، هناك "فجوة" بين أهداف إيران الاستراتيجية وبين "وعود" حزب الله في لبنان، وحركة حماس في الأراضي الفلسطينية، وتحديدًا في غزة.
في السياسة، وبعيدًا عن شعارات الصمود، استغل نتنياهو "المساحة الخضراء" بين واشنطن وطهران ليحقق نصرين كبيرين ضد حماس وحزب الله. أجبر حماس على مشاركة العدو اللدود "فتح" في إدارة ما تبقى من المدينة، وها هو يدفع حزب الله، بطريقة أو بأخرى، إلى التعويض في الميدان السياسي، بمعنى أننا أمام "نيو" حزب الله و"نيو" حماس. ألا يتطابق هذا مع المواقف الكبيرة لطهران والتي تدشن عمليًا مرحلة "نيو" إيران؟
ما سبق كان في سياق المتابعة والتحليل. أما في المعلومات، فإنَّ بيروت على موعد مع زيارة شديدة الأهمية للمبعوث الأميركي آموس هولشتاين، ومعه مشروع حل استراتيجي يتضمن انسحاب حزب الله إلى ما بعد نهر الليطاني، وتعزيز عديد القوات الدولية والجيش اللبناني في المنطقة العازلة مع إسرائيل، مقابل أن تعلن الأخيرة انسحابها من كافة المناطق التي يرى لبنان أنها محتلة.
يدرك نتنياهو أنَّ حزب الله وحده قادر على اتخاذ قرار بحجم الحدود، ويدرك لبنان وحزب الله أنَّ الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة هو انتصار تاريخي، ولا بدَّ أن يكون مغلفًا برائحة الدم والشهادة.