هل حسبت إسرائيل بدقة، وضَمَنَت، أن سياسات حزب الله ستكون أفضل لها بعد نجاحها فى اغتيال نصر الله؟ وهل أخذت بجدية ما نشرته صحافتها، طوال الأيام السابقة للاغتيال، عن أن بعض قيادات وكوادر وقواعد حزب نصر الله تنتقده لأنه لم يَرُدّ على انتهاكات إسرائيل للسيادة اللبنانية وعلى مجازرها فى الضاحية الجنوبية، برغم أنه هدَّد إسرائيل بأن أى اعتداء على الضاحية، التى هى مقر قيادة الحزب وقلعته، فسوف تردّ قوات الحزب بقصف تل أبيب التى تماثل الضاحية فى مرجعية حزب الله وجماهيره؟
ثم، ألم يكن فى حسابات الإسرائيليين الذين خططوا للاغتيال أنهم ربما يعطون فرصة لناقدى نصر الله لأن يتولوا القيادة من بعده، وأن توجههم ضد إسرائيل سيكون مضاعَفاً بإضافة رغبتهم فى الانتقام لنصر الله.
ثم، فإن ما كان شائعاً عن نصر الله أن حساباته كانت شديدة التعقيد مُكَبِّلة له عن الإقدام، ومن هذا علاقته الوطيدة بإيران، وضعفه أمام احتمال أن يتسبب فى تعقيد مشكلاتها مع أمريكا والغرب، بخصوص تجاربها النووية. كما أنه كان يراعى بشدة حرص إيران على ألا تستفزّ إسرائيل، وكان كل هذا من أسباب تحجيم ردوده على إسرائيل، بخصوص غزة ولبنان، وحتى حول اغتيالها لقيادات فى حزبه.
ثم إن هذه الاغتيالات أبعدت إلى الأبد من كانت إسرائيل تعلم عنهم ما يهمها، أما إبعادهم فسوف يتيح فرصة لتصعيد قيادات أخرى محلهم ممن تجهلهم إسرائيل، لأنها لم ترصدهم بسبب تركيزها وانشغالها فى رصد وتتبع وتصفية القيادات المساعدة لنصر الله، مما سيُضعِف إسرائيل أمام الجدد لأنهم مجهولون لها.
ثم إن تباهى إسرائيل بعمليات الاغتيال، وحرصها على السبق فى إعلانها، قبل أى إفصاح من الحزب، يؤكد أن عملاء إسرائيل منتشرون فى الحزب، وأن خيانتهم لا تتوقف عند مَدّ إسرائيل بالمعلومات المفيدة فى التعقب والاغتيال، وإنما أيضاً بنتائج عمليات الاغتيال قبل أن يعلمها أحد، وجاء إعلان إسرائيل بالنتائج بهذه السرعة ليؤكد أن لها عملاء، مما يجعل فى أولويات القيادة الجديدة اكتشافهم ومحاسبتهم، أى تصفيتهم، فتفقد إسرائيل أحد أهم مصادر قوتها.
الأهرام