وضعت الدولة المصرية نصب أعينها خطة طموحة للتحول إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز، والمساهمة في تأمين احتياجات الأسواق العالمية، لا سيما مع تنامي الطلب في الأسواق الأوروبية على الغاز المسال، وذلك بعد نجاحها في تحقيق الاكتفاء الذاتي منه، بما تمتلكه من بنية تحتية تتمثل في شبكات ومصانع إسالة وموانئ تؤهلها للقيام بهذا الدور الهام.
يأتي ذلك إلى جانب إطلاقها استراتيجية قومية تقوم على جذب الاستثمارات الأجنبية في مجال البحث والاستكشاف عن البترول والغاز، وتكثيف طرح المزايدات العالمية وتوقيع الاتفاقيات، بالإضافة إلى تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط والذي مثل نقطة محورية وفاصلة في جهود مصر لتعزيز قدراتها الإنتاجية والتصديرية، لتصبح بذلك لاعباً أساسياً في سوق الغاز العالمي.
في هذا الصدد نشر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء تقريراً سلط الضوء على جهود مصر لدخول قائمة أكبر موردي الغاز المسال للأسواق الكبرى المستهلكة للغاز، وذلك بعد تحقيقها الاكتفاء الذاتي منه.
وكشف التقرير أن مصر احتلت المركز الـ 14 عالمياً والخامس إقليمياً والثاني إفريقياً في إنتاج الغاز عام 2020، بحجم إنتاج سنوي بلغ 58.5 مليار م3، وذلك وفقاً لـ"بريتش بتروليوم".
اكتفاء ذاتي
أضاف التقرير أن مصر حافظت على مستويات إنتاجها وتصديرها للغاز الطبيعي بالرغم من أزمة كورونا وتداعياتها، ففي عام 2020/2021 وصل حجم الإنتاج لـ 66.2 مليار م3، والاستهلاك 62.9 مليار م3، والفائض 3.3 مليار م3، بينما سجل الإنتاج 63.2 مليار م3 في عام 2019/2020، والاستهلاك 59.6 مليار م3، والفائض 3.5 مليار م3.
وأوضح التقرير أن مصر نجحت في تحقيق الاكتفاء الذاتي في سبتمبر 2018، ومن ثم عادت إلى الخريطة العالمية لتصدير الغاز الطبيعي والمسال، حيث سجلت عام 2018/2019 إنتاجا بحجم 66.1 مليار م3، واستهلاك 61.8 مليار م3، وفائضا بـ 4.3 مليار م3.
ولفت التقرير إلى أن مصر كانت قد تحولت إلى مستورد للغاز الطبيعي منذ عام 2014/2015، حيث وصل العجز لـ 0.2 مليار م3، بعدما سجل حجم الإنتاج 46.8 مليار م3، والاستهلاك 47 مليار م3.
كما بلغ العجز وفقاً للتقرير، 7.1 مليار م3 في عام 2015/2016، حيث سجل حجم الإنتاج 41.6 مليار م3، والاستهلاك 48.8 مليار م3. بينما بلغ العجز 8.9 مليار م3 في عام 2016/2017، حيث سجل حجم الإنتاج 46.3 مليار م3، والاستهلاك 55.2 مليار م3.
وأشار التقرير إلى أن العجز تراجع مع بدء تشغيل حقل "ظهر"، حيث سجل 4.9 مليار م3 في عام 2017/2018، وبلغ حجم الإنتاج 54.6 مليار م3، والاستهلاك 59.5 مليار م3.
على صعيد متصل، ذكر التقرير أن حجم إنتاج الغاز الطبيعي عام 2013/2014 سجل 52.2 مليار م3، والاستهلاك 50 مليار م3، والفائض 2.2 مليار م3، في حين سجل الإنتاج 58.8 مليار م3 في عام 2012/2013، والاستهلاك 52.1 مليار م3، والفائض 6.7 مليار م3، بينما سجل حجم الإنتاج 61.3 مليار م3 في عام 2011/2012، والاستهلاك 51.8 مليار م3، والفائض 9.5 مليار م3.
اتفاقيات وترسيم حدود
هذا، وقد استعرض التقرير جهود مصر الدولية لتضع نفسها على الخريطة العالمية لتداول الغاز الطبيعي، حيث تم توقيع 99 اتفاقية بحرية بترولية جديدة مع الشركات العالمية للبحث عن البترول والغاز باستثمارات بلغ حدها الأدنى نحو 17 مليار دولار، ومِنح توقيع تقدر بنحو 1.1 مليار دولار لحفر 384 بئراً خلال الفترة من يوليو 2014 حتى يونيو 2021، وذلك بعد التوقف عن توقيع الاتفاقيات منذ عام 2010 وحتى أكتوبر 2013.
وتناول التقرير ملامح ترسيم الحدود البحرية للتوسع في عملية استكشاف حقول الغاز الطبيعي، موضحاً أنه تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص في سبتمبر 2014، فيما تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية في أبريل 2016، لتسمح ببدء مزاولة نشاط البحث عن البترول والغاز لأول مرة في هذه المنطقة البكر الواعدة، بينما تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع اليونان في أغسطس 2020.
منتدى الغاز
بشأن تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، أوضح التقرير أن مصر بادرت بفكرة إنشائه خلال قمة جزيرة كريت بين زعماء مصر وقبرص واليونان في أكتوبر 2018، كما تم توقيع ميثاق المنتدى في سبتمبر 2020، ودخل حيز النفاذ في مارس 2021، والذي بمقتضاه أصبح منظمة دولية حكومية.
وأوضح التقرير أن مؤسسي المنظمة 7 دول أعضاء هم مصر، واليونان، وقبرص، وفلسطين، وإسرائيل، والأردن، وإيطاليا، وانضمت لهم فرنسا فيما بعد، بينما انضم للمنظمة كمراقبين كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، مشيراً إلى أن المنظمة تعد مظلة للتعاون والتكامل الإقليمي لاستغلال موارد الغاز التي تزخر بها منطقة شرق المتوسط لتحقيق أقصى فائدة للمنطقة.
وأظهر التقرير الآليات التي ساعدت مصر في التحول من دولة مستوردة إلى مصدرة للغاز المسال لمختلف الأسواق العالمية، وذلك بفضل تكثيف عمليات البحث وتنمية حقول الغاز الطبيعي، حيث تم تنفيذ 30 مشروعاً لتنمية حقول الغاز منذ يوليو 2014 حتى سبتمبر 2021، بإجمالي تكلفة استثمارية بلغت نحو 514 مليار جنيه.
يأتي هذا فيما بلغت القدرة الإنتاجية الحالية لمصر من الغاز الطبيعي سنوياً بفضل مشروعات تنمية حقول الغاز 73.4 مليار م3، وتتمثل أبرز تلك المشروعات في مشروع تنمية حقل ظهر بقدرة إنتاجية سنوية تبلغ 28 مليار م3، ومشروع تنمية حقل ريفين بقدرة إنتاجية سنوية تبلغ 8.7 مليار م3، وأيضاً مشروع تنمية حقل نورس بقدرة إنتاجية سنوية تبلغ 4.6 مليار م3.
ومن بين العوامل التي ساهمت كذلك في تحول مصر إلى دولة مصدرة للغاز المسال، بلوغ إجمالي القدرة الإنتاجية لمصنعي الإسالة بإدكو ودمياط 12مليون طن سنوياً، فضلاً عن عودة مصنع دمياط للتصدير بعد توقف دام لمدة 8 سنوات، حيث قامت مصر بتصدير أول شحنة من الغاز المسال من المصنع في مارس 2021، مما أدى إلى زيادة صادرات الغاز المسال بنسبة 123.3%، لتبلغ 6.7 مليون طن عام 2021، مقارنة بـ 3 ملايين طن عام 2013.
وشملت العوامل أيضاً، فتح أسواق جديدة أمام الغاز المصري المسال، حيث أن هناك 20 دولة استوردت الغاز المصري المسال منذ بدء عودة التصدير، منها 4 أسواق جديدة تم افتتاحها أمامه في كل من تركيا وكرواتيا وباكستان وبنجلاديش.
وورد في التقرير خريطة تصدير مصر للغاز الطبيعي والمسال لأبرز الأسواق العالمية خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، لافتاً إلى أنه يتم تصدير غاز طبيعي للأردن، بينما يتم تصدير غاز مسال لكل من اليابان وسنغافورة، وفرنسا، والهند، وباكستان، والصين، وتركيا، واليونان، وإيطاليا، والكويت، وبنجلاديش، والمملكة المتحدة، وإسبانيا، وتايوان، وكوريا الجنوبية، وبلجيكا، وبنما، والإمارات، وتايلاند، وكرواتيا.
على صعيد متصل، أشار التقرير إلى أنه جارٍ تنفيذ مشروع مشترك لإعادة التصدير من قبرص إلى مصر، حيث يبلغ طول الخط المزمع إنشاؤه من قبرص حتى مصنع الإسالة بإدكو 380 كم، لافتاً إلى أن 8 دول يمكنها الاستفادة من عملية تصدير الغاز المصري لأوروبا، كما تجري حالياً إجراءات استئناف تصدير الغاز الطبيعي للبنان.
هذا وقد رصد التقرير النظرة الدولية حول دور مصر كلاعب إقليمي لتداول الغاز، لافتاً إلى توقع منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول أن تعزز مصر من صادرات الغاز المسال، في ضوء إعادة تشغيل محطة الإسالة في دمياط بعد توقف دام لـ 8 سنوات.
ولفتت المنظمة كذلك إلى أن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال عالمياً، ساهم في معاودة تصدير مصر من محطة "إدكو"، حيث نجحت في تصدير عدة شحنات للسوق الأوروبية والآسيوية مستفيدة من ظروف السوق المواتية.
بدورها، أشارت فيتش إلى أن مصر عادت إلى وضع المصدر في عام 2019، بعد أن كانت مستورداً للغاز المسال، متوقعة أن يكون عام 2022 عام الذروة لإنتاج الغاز الطبيعي في مصر.
ووفقاً للتقرير، أكدت بلومبرغ أن الصادرات المصرية من الغاز المسال ستنتعش بفضل إعادة تشغيل محطة دمياط لإسالة الغاز، والتي ستساعد مصر في أن تصبح مركزاً للتصدير إلى أوروبا، بينما أكدت الإيكونوميست أن مصر تعد واحدة من المصدرين العالميين القلائل للغاز المسال الذين زاد حجم مبيعاتهم خلال عام 2021.
هذا وأشارت ستاندرد أند بورز إلى أن عودة تشغيل مصنع دمياط منحت منفذاً إضافياً لتصدير الغاز المصري، حيث تتطلع مصر إلى تحقيق أقصى استفادة من فائض الغاز الذي تحقق خلال الفترة الماضية بفضل اكتشافات الغاز الأخيرة.
وأوضح التقرير أنه وفقاً للوكالة الدولية للطاقة، فإن مصر تعد ثاني أكبر مساهم في نمو صادرات الغاز المسال على مستوى العالم، بالفترة من يناير إلى أغسطس 2021، كما حققت مصر زيادة في صادرات الغاز المسال وذلك مع عودة مصنع دمياط للعمل.
كما اعتبرت مؤسسة المونيتور أن استئناف تشغيل محطة إسالة الغاز بدمياط لأول مرة منذ 8 سنوات، بالإضافة إلى صادرات محطة إسالة الغاز بإدكو خطوة لتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز حيث يتم استهداف قارتي آسيا وأوروبا.
بدورها، ذكرت وكالة رويترز أن النمو السريع في إمدادات الغاز الطبيعي مدعوماً باكتشاف أكبر حقل في البحر المتوسط، أدى إلى تحويل مصر من مستورد إلى مصدر للغاز الطبيعي، لافتةً إلى أنها تأمل بأن تصبح مصر حلقة وصل لتجارة الطاقة بين الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا.
هذا وأبرز التقرير تأكيد معهد الشرق الأوسط، بأن مصر حالياً تعد المصدر العربي الأسرع نمواً للغاز المسال، بل وستصبح لاعباً رئيسياً ومنافساً بارزاً في السوق العالمية للغاز المسال.
بجانب ما سبق، كشف التقرير أن أوروبا تأتي على رأس الأسواق المستهلكة للغاز، حيث بلغ نصيبها من استهلاك الغاز الطبيعي 14.2% من إجمالي استهلاك العالم، وبواقع 541.1 مليار م3 عام 2020.
ووفقاً لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول فإن التراجع الحاد في الإنتاج الأوروبي من الغاز الطبيعي خلال الفترة (2019 - 2050)، سيزيد من درجة اعتماد السوق الأوروبية على واردات الغاز الطبيعي من الخارج لتلبية الطلب المستقبلي.
واستعرض التقرير حجم الإنتاج السنوي من الغاز الطبيعي (بالمليار م3) لعدد من دول العالم وفقاً لـ"بريتش بتروليوم"، والذي سجل 914.6 بالولايات المتحدة، و638.5 بروسيا، و250.8 بإيران، و194 بالصين، و171.3 بقطر، و165.2 بكندا، و142.5 بأستراليا، و112.1 بالسعودية، و111.5 بالنرويج، و81.5 بالجزائر، و73.2 بماليزيا، و63.2 بإندونيسيا، و59 بتركمانستان.
العربية