كتبت صحيفة "الجمهورية" تقول: المشهد الدولي مليء بالأحداث المفصلية، وكل المؤشرات تؤكّد بما لا يحتمل أدنى شك، انّ ما يجري في اوكرانيا، ليس مجرّد حرب عملية عسكرية عابرة، بل مأزق حقيقي ذروة في الخطورة، يشرّع الباب الدولي على شتّى الاحتمالات والعواصف، والسيناريوهات الكارثية.
لا يختلف إثنان على انّ خريطة جديدة ترسمها الوقائع الأوكرانية، من الصعب تحديد معالمها، وخصوصاً انّ هذه الحرب ما زالت في بداياتها وأفقها مفتوح على مدى زمني غير محدّد، والعالم بأسره يقف متهيّباً من نار الحرب الدائرة في اوكرانيا، وتداعياتها المفتوحة، وخصوصاً مع تزايد الخشية من أن تخلق هذه الحرب وقائع دراماتيكية خطيرة غير تقليدية تعبر كل الحدود.
ما هو جلي، هو أنّ هذه الحرب فرضت استنفاراً على طول الرقعة الدولية وعرضها، تحسباً من تأثيراتها، وهو الأمر الذي عدّل في أجندات الدول وحصر أولوياتها، في كيفية احتواء هذه التأثيرات والحدّ من أضرارها وسلبياتها. الّا انّ الصورة في لبنان افتقدت أي إجراء ولو خجول، في الاتجاه التحصيني للداخل، والإدارة السياسية للبلد في قمّة استرخائها، في الوقت الذي يقع فيه لبنان بما يعتريه من هشاشة وضعف، في صدارة الدول المرشّحة لتلقّي الصدمات.
خطة طوارئ
هذا الأمر يوجب بالحدّ الأدنى، كما يقول مرجع مسؤول لـ»الجمهورية»، بلورة خطّة طوارئ عاجلة. فلبنان وإن كان بعيداً من حيث المسافة عن مسرح الأحداث الحربية في اوكرانيا، فإنّه في عين العاصفة، ولا ينفعه تكتيك الإنحناء أمام الرياح الأوكرانية التي تهبّ بتداعيات على كل العالم، بل يتوجب مسارعة الحكومة إلى اتّخاذ خطوات احترازية استباقية لأيّ طارئ، أقله لناحية توفير المواد الأساسية، ولاسيما الطبية والغذائية والتموينية ومضاعفتها، وخصوصاً مع احتمالات تفاقم الزلزال الذي بدأ يتحرّك في أوكرانيا، والذي، وفق مؤشرات التصعيد القائمة، قد لا يبقى محصوراً ضمن حدوده الحالية.
قلق ديبلوماسي
على أنّ هذه الصورة القاتمة التي ترسمها المراجع المسؤولة حول مستقبل الوضع على مستوى العالم وصولاً الى لبنان، تتقاطع مع جواب ديبلوماسي قلق، أبداه سفير دولة كبرى في بيروت أمام أحد كبار المسؤولين اللبنانيين، حينما سأله الأخير عن مآل الاحداث في اوكرانيا، حيث قال ما حرفيته: «نشهد حرباً هي الأسوأ والأشدّ خطورة منذ الحرب العالمية الثانية، وباتت تهدّد الأمن والسلام العالميين، وجواباً على سؤالك، لا أحد يعرف مآل الأمور، ومن السابق لأوانه تحديد قراءة معيّنة، ولكن نحن قلقون جداً، هناك دمار كبير، وأعداد هائلة من النازحين، والأفق مفتوح على تداعيات واسعة، ولذلك من الطبيعي مع هذه التطوّرات ألّا نلغي من حساباتنا كلّ الإحتمالات الصعبة».
الداخل: ترقّب
وربطاً بذلك، تبدو الصورة الداخلية في ذروة الارتباك. فمفاعيل بيان وزارة الخارجية الذي أدانت فيه ما سمّته الإجتياح الرّوسي لأوكرانيا، لم تنتهِ بعد، حيث انّه ما زال في دائرة التجاذب والاشتباك الداخلي، بالتوازي مع محاولات متواصلة للبحث عمّن هو «والد» هذا البيان والغاية منه في هذا الظرف وهذا التوقيت. فيما برزت إشادة أوكرانية ببيان الخارجية عبّر عنها السفير الأوكراني في لبنان ايغور اوستاش في مؤتمر صحافي عقده امس، حيث قال: «بصفتي ديبلوماسياً، أفتخر بلبنان الذي دان (برغم ظروفه الصعبة) اجتياح الأراضي الأوكرانية وأصدر بياناً قال فيه: «نظراً لما شهده تاريخ لبنان الحديث من اجتياحات عسكرية لأراضيه ألحقت به وبشعبه أفدح الخسائر التي إمتد أثرها البالغ لسنوات طويلة على إستقراره وإزدهاره، فإنّ لبنان يدين اجتياح الأراضي الأوكرانية، ويدعو روسيا إلى وقف العمليات العسكرية فوراً وسحب قواتها منها والعودة إلى منطق الحوار والتفاوض كوسيلة أمثل لحل النزاع القائم».
.. وتساؤلات
اما في المقلب الآخر للصورة الداخلية، فإنّ الأجواء السياسية باتت محكومة لتساؤلات بدأت تتراكم منذ بدء الحرب في اوكرانيا يوم الخميس الماضي، وتحيط مصير الاستحقاقات الداخلية بعلامات استفهام، وأقربها الاستحقاق الانتخابي الذي بات على بعد 76 يوماً من موعده في 15 أيار المقبل.
وإذا كانت هذه الاسئلة مشروعة، على ما تقول مصادر حكومية معنيّة بالملف الانتخابي، الّا انّها أكّدت لـ»الجمهورية»، انّ الانتخابات النيابية حاصلة في موعدها مهما كانت الظروف.
ورداً على سؤال عمّا إذا كانت التداعيات المحتملة قد فرضت وقائع صعبة هدّدت الاستحقاق الانتخابي، وادّت الى الوقوع في المحظور، قالت المصادر الحكومية: «أي كلام عن تعطيل الاستحقاق الانتخابي هو من باب التشويش ومحاولة إعاقته. دعونا لا ندخل في التكهنات ورسم سيناريوهات غير واقعية، فالأكيد أنّ الإنتخابات ستجري في الموعد المحدّد لها، وكل الإستعدادات والتحضيرات اللوجستية باتت جاهزة لإجرائها».
الزحف الى الداخلية!
ما يجدر ذكره في السياق الانتخابي، الوقت بات ضاغطاً على الراغبين في تقديم ترشيحاتهم لخوض الانتخابات النيابية، وخصوصاً انّ مهلة تقديم الترشيحات رسمياً الى وزارة الداخلية تنتهي في 15 آذار الجاري، ما يعني انّ البطء في تقديم الترشيحات الذي ساد منذ صدور بيان وزارة الداخلية ذي الصلة بهذا الامر، سيتحوّل خلال الاسبوعين المقبلين الى ما يشبه الزحف إلى وزارة الداخلية لتقديم الترشيحات رسمياً لانتخابات 15 ايار.
«أمل» لإنجاز الاستحقاق
الى ذلك، اكّدت «حركة «امل» حرصها على «إنجاز إستحقاق الانتخابات النيابية بكل مسؤولية وشفافية، وأن تتابع الجهات المختصة القيام بكل ما يلزم للوصول إلى النتيجة المرجوة. وفي هذا الصدد، تتوجّه الحركة إلى جماهيرها ومناصريها لتهيئة كل الأجواء الضرورية للمشاركة الواسعة في لبنان والخارج».
وفي بيان لمكتبها السياسي أمس، توقّفت الحركة عند الأحداث التي تجري على الساحة الروسية – الاوكرانية»، مبدية أسفها «للإهمال الذي يتمادى في تصرّف الحكومة اللبنانية إزاء أبنائها المغتربين والطلاب المنتشرين في العالم، والمحنة التي يعانونها في أوكرانيا، والإستفاقة المتأخّرة على إجلائهم ورعايتهم للعودة إلى حضن الوطن»، مطالبة بـ»أقصى الإجراءات اللازمة والاتصالات الضرورية لضمان سلامتهم».
وفي جانب آخر، اعتبرت الحركة، «أنّ إقرار خطة الكهرباء المبدئية لا تستقيم من دون التنفيذ الجدّي والالتزام بمندرجات قرار مجلس الوزراء وفي الإسراع في تعيين الهيئة الناظمة للقطاع، وتطبيق القانون 462، كأساس لمعالجة وضع الكهرباء بكل عناوينها».
الموازنة وبعثة الصندوق
وفي جانب داخلي آخر، وفي الوقت الذي سلك فيه مشروع موازنة السنة الحالية طريقه الى مجلس النواب أمس، مع توقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على مرسوم الإحالة، حيث يُنتظر ان تبدأ اللجنة النيابية للمال والموازنة رحلتها في دراسة المشروع ضمن فترة حدودها نهاية آذار الحالي وفق ما أكّدت أوساط اللجنة لـ»الجمهورية»، بدأ وفد صندوق النقد الدولي برئاسة رئيس بعثة الصندوق الى لبنان ارنستو راميريز، محادثاته في بيروت، حيث التقى رئيس المجلس النيابي نبيه بري. وذكرت معلومات عين التينة، انّه «تمّ عرض لمراحل الحوار القائم بين لبنان والصندوق والتشريعات التي أنجزها المجلس النيابي وما هو في صدد إنجازه لاحقاً، لا سيما قانون «الكابيتال كونترول»، حيث تمّ التأكيد على ضرورة أن يحفظ القانون حقوق المودعين كأولوية».
في هذا الوقت، أكّدت مصادر مواكبة لزيارة وفد صندوق النقد لـ»الجمهورية»، انّ زيارة الوفد حاسمة هذه المرة، حيث جاء للاستطلاع بشكل مباشر لما بلغته تحضيرات الحكومة للدخول في مفاوضات مع الصندوق، تفضي الى اتفاق تعاون يمكن لبنان من الحصول على مساعدات يحتاجها لتخطّي أزمته الاقتصادية والمالية.
وبحسب المصادر، عينها فإنّ وفد الصندوق ما زال ينتظر لبنان، وفي موازاة ما سمعه سابقاً من تأكيدات علنية من الجانب اللبناني على إنجاز ما هو مطلوب منه في هذا المجال، ولاسيما لجهة إنجاز الحكومة لبرنامجها وخطة التعافي وتحديد الخسائر وتوزيعها بشكل موضوعي، خلافاً للعشوائية التي سادت في السابق، فإنّ الضرورة باتت تحتّم على الجانب اللبناني الدخول إلى مرحلة التطبيق الحقيقي لما يلتزم به، وخصوصاً انّ الصندوق ما زال يؤكّد استعداده للتعاون مع لبنان، انما ضمن الشروط التي تسهّل عقد المفاوضات مع الحكومة اللبنانية وصولاً الى الاتفاق على برنامج تعاون، وهو ما ينبغي على الجانب اللبناني توفيره بالشكل الذي يوصل الى مفاوضات منتجة، وتَوفّر هذه الشروط الموضوعية من شأنه أن يطلق هذه المفاوضات في غضون فترة قصيرة، ويؤدي الى بلوغ اتفاق تعاون ضمن فترة قصيرة ايضاً، وفي ذلك مصلحة أكيدة للبنان.
وبحسب المصادر، فإنّ ملاحظات الصندوق ما زالت تتمحور حول موجبات تأخّر الحكومة اللبنانية في إنجاز ملف التفاوض والموجبات الإصلاحية، اضافة الى مقاربة سلبية لمشروع موازنة العام 2022، وخصوصاً انّ مضمونه جاء رقمياً، من دون ان يقارب المتطلبات الإصلاحية التي يحتاجها لبنان، وتضعه على سكّة التعافي. فالموازنة قد تكون عاملاً سلبياً ومعيقاً، وخصوصاً انّها لا تفي بالمطلوب.
تقدير إيراني لعون
في هذا الوقت، اكّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أهمية السلام بين الشعوب الذي يكفل لها راحتها وحياتها الهنيئة.
وأمل عون، خلال استقباله وزير الثقافة الايراني محمد مهدي اسماعيلي في نجاح مفاوضات فيينا، «باعتبارها مؤشر سلام ليس لإيران فحسب بل لكل المنطقة».
اما الوزير الايراني فقال انّ بلاده «تنظر بكثير من التقدير الى مواقف رئيس الجمهورية المبدئية والمحورية والراسخة، التي أعطت الجمهورية اللبنانية هذه المكانة الفريدة التي تتمتع بها، وانكم من خلال فترة عملكم السياسي بذلتم كل ما أوتيتم من قوة من اجل المحافظة على وحدة لبنان حكومة وشعباً واستطعتم ان تكلّلوا مسيرتكم بنجاح».
واكّد الوزير الإيراني»انّ الحكومة الإيرانية الجديدة تضع نصب عينيها سياسة خارجية منفتحة بنّاءة، تقوم على إقامة افضل جسور الثقة والتلاقي والحوار مع دول المنطقة بشكل عام والدول الصديقة والشقيقة بشكل خاص». وقال انّ «محادثات فيينا تسير بشكل إيجابي ما يمكن ان يساعد في التوصل الى اتفاق إيجابي وبنّاء. والجمهورية الإسلامية تصرّ على ان يكون الاتفاق منصفاً ونهائيا».
سنبقي غازنا مدفوناً!
وفي موقف لافت، قال رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد في احتفال في كفرفيلا: «إنّ الاميركي الوسيط في التنقيب عن الغاز في لبنان، جاء الى لبنان في الايام الماضية للعب دور الثعلب في قسمة الجبنة بين المتخاصمين. ولكي نتمكن من التنقيب في مياهنا الإقليمية لاستخراج الغاز ونسدّد بثمنه ديوننا، يقول لك أنت ستحفر بالماء ومن الممكن ان يكون حقل الغاز مشتركاً بينك وبين الاسرائيلي».
اضاف: «نحن نقول، إننا سنُبقي غازنا مدفوناً في مياهنا الى ان نستطيع منع الاسرائيلي من ان يمدّ يده على قطرة ماء من مياهنا. لسنا قاصرين، وليعلم العدو ومن يتواصل معه، وسيطاً وغير وسيط، انّ الاسرائيلي لن يتمكن من التنقيب عن الغاز في جوارنا ما لم ننقب نحن عن الغاز ونستثمره كما نريد، و»ليبلطّوا البحر». لن نسمح للاسرائيلي ان ينقب عن الغاز من دون ان نستطيع ان ننقب عنه في مياهنا. إذا لم تكن قوياً من اجل ان تنقذ حقك فلن ينفعك الدعم من كل الدول».
وتطرّق رعد الى بيان وزارة الخارجية اللبنانية عن الأزمة بين روسيا واوكرانيا، فقال: «انّه يستجيب لمزاج بعض اللبنانيين الذين يحبون الغرب، لكن لبنان ليس له علاقة بأوكرانيا ولا بروسيا. المسألة، انّ السفيرة الاميركية كانت تتصل طيلة الليل بكل العالم لإصدار بيان لا يكون الموقف فيه ضد اميركا».
بدوره، اكّد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، انّ «الهجوم الطاحن من البعض على كل الأحزاب وعلى مفهوم العمل الحزبي، والذي ادّى الى محاولة لتقسيم المجتمع بين مؤيّد للأحزاب او معارض لها، هو بعيد كل البعد عن الواقع، ويعدّ اكبر عملية تزوير في تاريخ المجتمعات وفي تاريخ لبنان».
ولفت جعجع في كلمة له خلال احتفال نظّمته مصلحة المعالجين الفيزيائيين في «القوات»، الى انّ «دور الأحزاب بالمطلق ضرورة قصوى في المجتمعات»، وأسف اننا «رأينا في السنتين الاخيرتين هجوماً على مفهوم العمل الحزبي، ما هو خطير جداً، بسبب خنفشارية البعض وسوء نية البعض الآخر بحجة انّ لبنان وصل الى هذا الوضع بسبب الأحزاب، لكن تناسى هؤلاء انّه كما مسؤولية ما وصلنا اليه تتحمّله بعض الاحزاب كذلك بعض الشخصيات المستقلة».
ولفت الى «خنفشاريين ووصوليين ومتنطحين وفوضويين يظهرون في الأزمات، ونراهم اليوم في كل المناطق من بيروت الى بشري، يسوّقون لفكرة انّ كل الاحزاب «ما بتسوا»، متجاهلين انّه «على الأقل يوجد حزب واحد لا ينتمي الى المجموعة التي «ما بتسوا» وهو حزب «القوات اللبنانية».
وإذ أسف انّ «الحملة التي شُنّت على الأحزاب تحت راية «كلن يعني كلن»، ضربت مبدأ اساسياً في المجتمع وهو العمل الحزبي»، شدّد على انّه «ما من مجتمع ينجح بالنهوض من دون الأحزاب».
واشار الى انّ «العمل داخل الحكومة صعب جداً، خصوصاً إذا كانوا اقلية فيها»، لافتاً الى ان «ملف الكهرباء خير دليل على ذلك، فـ»القوات اللبنانية» منذ عام 2016 حاولت استدراك ما حصل في هذا الملف لكنها لم تفلح رغم كل الدراسات التي عمل عليها نوابها ووزراؤها». وقال: «نخوض الانتخابات النيابية كي ننجح بتحقيق امور اكبر واكثر في السنوات المقبلة. إذ انّ النتيجة التي وصل اليها اللبنانيون اليوم سببها خيارهم في الإنتخابات عام 2018، بمنح الثنائي الشيعي والمقرّبين منه اكثر من 40 نائباً و»التيار الوطني الحر» 27 نائباً أي أكثرية المجلس النيابي».
الجمهورية