الارباك والتأزّم سِمة المرحلة المقبلة!؟

وفقاً للمشهد النيابي الجديد، فإنه، وعلى ما تؤكّد مصادر مجلسية لـ«الجمهورية»، انه «من المبكر الحسم المسبق لشكل خريطة مجلس النواب الجديد، ذلك ان خريطة التحالفات التي يمكن ان تربط بعض الكتل النيابية بعضها ببعض، وإن كانت ملامحها قد بدأت تعبّر عن نفسها في مواقف بعض الكتل النيابية، الا انها ستتظَهّر بشكلها الواضح والنهائي، تبعاً لكيفية تجاوز بعض الاستحقاقات العاجلة:

- الاستحقاق الأول، مع اولى جلسات المجلس النيابي الجديد، التي ستشكل محطّة الفرز الأولى للتوجهات النيابية، ربطاً بالتحدّي الذي يفرضه الاستحقاق المجلسي المتمثّل بانتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه واعضاء هيئة مكتب مجلس النواب. وهذه الجلسة باتت على مسافة أيام قليلة، حيث يتوقع أن يدعو إلى عقدها خلال ايام قليلة «رئيس السن» نبيه بري لانتخاب رئيس مجلس النواب الذي ليس في نادي المرشحين لهذا المنصب سواه.

وعلى ما بات مؤكداً في هذا السياق، فإنّ أطرافاً نيابية حسمت موقفها سلفاً لناحية عدم التصويت للرئيس بري، مثل «القوات اللبنانية» وحزب الكتائب الى جانب بعض النواب الذين يقدمون أنفسهم سياديين وتغييرين. فيما يوازي ذلك، وبحسب معلومات «الجمهورية»، حسم كتلة اللقاء الديموقراطي لموقفها المؤيد لانتخاب بري، وكذلك عدد من النواب المستقلين، بالتوازي مع حركة المشاورات المكثفة التي تجري على قدم وساق بين كتل نيابية وازنة، لتمرير هذا الإستحقاق بتفاهم على «سلّة متكاملة» تتناول انتخاب رئيس المجلس (برّي) ونائبه (احد اعضاء تكتل لبنان القوي)، وسائر اعضاء هيئة مكتب المجلس.

- الاستحقاق الثاني، هو استحقاق تكليف رئيس الحكومة بعد اكتمال، حيث ستشكّل الاستشارات النيابية الملزمة التي سيدعو إليها رئيس الجمهوريّة فور دخول المجلس الجديد ولايته بكامل هيئته، واعتبار حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مستقيلة، لتكليف شخصية سنية تأليف الحكومة، محطة الفرز الثانية لتوجّهات النواب. وما يجدر ذكره في هذا السياق هو أنّ اسم الرئيس نجيب ميقاتي الاكثر تداولاً لتأليف الحكومة الجديدة، وكذلك بدأت بعض الاوساط السياسية والنيابية الجديدة تطرح اسم السفير السابق نواف سلام.

امّا الثالث فهو استحقاق تأليف الحكومة الذي سيشكل بدوره محطة الفرز الثالثة والثابتة، حيث انّ التأليف بالقوى التي ستشارك فيه، سيحدّد بشكل جَلي أيّ الأطراف التي ستشكّل الاكثرية أو بمعنى أدق الموالاة، وأيّ الاطراف التي ستشكل المعارضة.

يُشار في هذا السياق الى انّ الغالب لدى اكثرية القوى السياسيّة هو الذهاب الى حكومة شراكة، بعيداً عن صيغ الحكومات السابقة التي سُمّيت حكومات تكنوقراط، التي أثبتت فشلها وعجزها عن مواكبة تطورات الازمة بما تتطلبه من اجراءات وخطوات علاجية. واللافت في هذا السياق ان بعض القوى السياسية بدأت من الآن الترويج لرفضها تشكيل حكومة شراكة او حكومة وحدة وطنية، ولدعمها تشكيل حكومة اكثرية من لون سيادي او تغييري واحد. ويبرز حزب «القوات اللبنانية» في صدارة المتحمسين لحكومة كهذه.

الى ذلك، اكد مرجع سياسي لـ«الجمهورية» انّ واقع البلد يفرض ان تجتمع كلّ القوى في حكومة تتشارَك مكوناتها في عملية الانقاذ، وبالتالي فإنّ رفض حكومة كهذه، يَستبطن توجهاً لقطع الطريق على حكومة جديدة جامعة تقوم بما هو مطلوب منها من مبادرات إنقاذية وخطوات اصلاحية. وكذلك يستبطِن إصرارا على التصعيد وتوجّهاً نحو الصدام، وإبقاء الوضع على ما هو عليه من تعقيد وارباك خدمة لغايات او اجندات، والنتيجة الطبيعية لذلك هي تسريع وتيرة الانهيار ومُفاقمة معاناة اللبنانيين. واخشى ان تكون اعادة إثارة الازمات الحياتية والمعيشية والمالية في الايام الاخيرة مُندرجة في سياق التوجه الى زيادة التوتير وتعميق الازمة اكثر».

وسط هذه الصورة، تؤشر الاجواء السياسية بصورة عامة الى «واقع صعب» بَلغه المشهد الداخلي، تجاوز الإنقسام العميق بين القوى السياسية، ليبلغ حَد عدم قبول هذه القوى لبعضها البعض ورفضها التعايش مع بعضها البعض. وهو الامر الذي من شأنه ان يجعل من الارباك والتأزّم سِمة المرحلة المقبلة، بحيث يصعّب مهمّة المجلس الينابي الجديد بما قد يحوّله من ساحة للتشريع الى ساحة «لِتَشليخ» القوى السياسية لبعضها البعض. وكذلك الحال بالنسبة الى الحكومة حيث يجعل تشكيلها محفوفاً بصعوبات مانعة له.

يُشار في سياق هذا الإنقسام إلى صدام واضح بين منطقين يبدوان كخطين متوازيين لا يلتقيان، يرفض الاول التعايش مع «حزب الله» ويعتبر انّ المشاركة في حكومة يشارك فيها الحزب تُعدّ هزيمة امامه وتنفيساً للانتصارات التي حققها السياديون والتغييرون في الانتخابات، وإلغاء لكل الشعارات والمبادىء والمسلمات االتي اطلقت خصوصا في الحملات الانتخابية. امّا المنطق الثاني فيعتبر ان لا مجال او امكانية لأيّ طرف داخلي ان يضع «فيتو» على أي طرف، او الغاء أي طرف، وهذا ينسحب على «حزب الله» وخصومه، حيث لا قدرة لأحد على الغاء وجود او تجاوز أي من المكونات الاساسية في لبنان.

يقرأون الآن