حزينة شوارع المدينة. شاحبة كوجه أيامنا السوداء. فارقها الفرح منذ دفنت أبناءها كحبات الحنطة تحت تراب الإهراءات. مظلمة كالقضاء والقدر الذي يتحكم بيوميات أهل البلد.
غريبة شوارع المدينة، رغم زحمة السيارات في ساعات الظهيرة، لا شيء يوحي بالحياة سوى تسابق الناس خلف فتات من كرامة العيش.
وكما واجهات المحال الكئيبة، وإشارات السير المعطّلة، ورجال الأمن المنهكين، كذلك وجوه الناس، لا تعابير توحي بما تخبئه القلوب. وحده القلق لا تخفيه العيون وتشي بكل ما يربكها ويخيفها من بقيّة يوم مثقل بالهموم وغد لا شمس تنبئ بفجره القريب.
قبل أيام ضجت سماء المدينة بصخب الرصاص المبتهج. ما أسوأ هذه العادة وما أسوأ شعب يفرح ولا رغيف خبز في منزله ولا ضوء ولا ماء، لكنه يجد سبباً وجيهاً لتهليله وممارسته لطقوسه غير المفهومة. لكن المدينة لا زالت على حزنها، لا الوجوه تضحك ولا الاطفال يركضون خلف بائع البوظة وغزل البنات، ولا بائع الترمس يعزف لحن طناجره بين الأزقة.
وسط كل الألم، يخرق شوارع بيروت بائع يبدو غريباً عن يوميات المدينة، يضحك لكل المارة، يحمل باقات الورد الأحمر كلون ثيابه، ويتأبط أطواق الغاردينيا لأعناق اشتاقت كثيراً للصباحات المختلفة وللمواعيد.
بدا مرهقاً ومتعباً، تحاول عيناه ان تشكو رغم ضحكته، لكن تفاصيل كثيرة تشدّك اليه. رائحة العطر من باقات الورد بين يديه، لحيته، سمرته، ونظرته للأعلى كمن ينتظر الفرج.
قد يكون مجرّد رجل ضاقت به جدران منزله، كما الحال مع كل أبناء هذا البلد في أيامنا التعيسة هذه، لكنه كوروده أنيقاً، ومتى طلبت أن تلتقط له صورة تجاوب سريعاً كما تجاعيد الوجه البشوش.
لا، لم يكن هذا الرجل طالب شفقة، ولا بائع ورود، إنه بائع أمل في مدينة ما اعتادت على الانكسار ولن تنكسر. ما اعتادت على الموت ولن تموت. ما اعتادت الحزن ولن يطول حزنها. لن نفقد غدنا كبائع الأمل في طريق المزرعة، وكم نحتاج لبائعي ورد وبائعي أمل بدلاً من كل بائعي الكذب والوجع والجوع والدم وما أكثرهم.
نادر حجاز - موقع mtv