أزمة الرغيف تقرع الأبواب مجدّداً، ويبدو أنّها ستستفحل في الايام المقبلة. فالمعطيات تشير الى انّ القمح المتوفر بالكاد يكفي 20 يوماً كحدّ أقصى، وهو يتناقص تدريجياً من المناطق. إذ بعدما علت الصرخة أمس الاول في البقاع، ستتمدد الأزمة لتشمل بقية المناطق تباعاً. واياً تكن الحلول والسرعة في معالجتها فالضيق آتٍ لا محالة.
رغم التطمينات والحلول التي بثها المسؤولون منذ اندلاع الحرب بين اوكرانيا وروسيا، بأنّ لبنان يعمل كي لا ينقصه القمح، سرعان ما تبيّن أن لا مفرّ من الأزمة. فمشكلتنا ليست في الاستيراد ومدى توفّر القمح عالمياً وقدرة لبنان على تأمين حاجته، انما لبّ المشكلة هو في توفّر الاموال اولاً، ليليها سوء ادارة الأزمة، من حيث التوزيع المتساوي على المناطق. فالخطة المتبعة اليوم تقضي بفتح مصرف لبنان لاعتمادات بواخر القمح، مع ترك تأخير متعمّد بين الباخرة والأخرى، وفي كل مرة يتمّ اختيار باخرة تغذّي منطقة او محافظة معينة، وهذا ما يفسّر فقدان القمح في مناطق دون سواها.
وقد علت الصرخة اولاً من البقاع، حيث حذّر أصحاب الأفران من اشتعال فتيل أزمة لا يمكن تحمّلها، لذا ناشدوا الرؤساء التحرّك قبل ان تستفحل الأزمة، محذّرين من اتخاذ خطوات تصعيدية، وكاشفين انّ البلد فارغ كلياً من القمح. فهل نحن حقاً أمام أزمة؟ ولِمَ تعاني من النقص مطاحن البقاع دون غيرها من المناطق؟
في السياق، أكّد نقيب أصحاب الأفران في جبل لبنان أنطوان سيف، انّ القمح مفقود في بعض المطاحن، وهذا ما يفسّر إقفال بعضها، لا سيما في البقاع، لافتاً الى انّ بعض المطاحن يملك القمح الّا انّ مصرف لبنان لم يسدّد ثمنه المدعوم، لذا هو غير معروض للبيع، كما لا يمكن للمطاحن ان تبيع مخزونها بسعر غير مدعوم بسبب القرار الصادر عن وزير الاقتصاد، والذي يقول انّ كل القمح الموجود على الأراضي اللبنانية هو مخّصص فقط للخبز اللبناني من أجل توفير الأمن الغذائي.
وأكّد سيف لـ»الجمهورية»: «أننا متّجهون الى أزمة، فمصرف لبنان يسدّد ثمن القمح بالقطّارة، رغم تخصيص مبلغ من صندوق النقد الدولي للبنان لشراء القمح»، لافتاً الى انّ هذا المبلغ شارف على الانتهاء، ويقدّر ما تبقّى منه بنحو 7 الى 8 ملايين دولار، بالكاد يكفي لتسديد ثمن القمح الموجود على الاراضي اللبنانية.
اما عن الخطوة التالية، فأوضح سيف عن بدء التفاوض مع البنك الدولي من أجل تأمين مبلغ 150 مليون دولار بهدف تأمين القمح للبنان لمدة سنة، شرط ان يُستعمل فقط لصناعة الخبز اللبناني. لكن المشكلة اننا لا نزال في طور التفاوض، وهذه الخطوة تحتاج الى موافقة من مجلس النواب إلى جانب الاتفاق على الترتيبات اللوجستية، مثل إلى أي جهة سيحوّل البنك الدولي الاموال؟ من سيكون مسؤولاً عنها؟ من سيستفيد منها؟ كل هذه التفاصيل وغيرها لا تزال غير واضحة، وسيستغرق البتّ بها واستيراد القمح وشحنه شهرين على الاقل. فيما المشكلة اننا لا نملك هذا الوقت، لأنّ كل القمح المتوفر حالياً في لبنان، ومع تخصيصه فقط لصناعة الخبز اللبناني، بالكاد يكفي 20 يوماً، وبعدها سيُفقد الرغيف من السوق. كذلك فإنّ الطحين متوفر بشكل محدود لبقية الأصناف والمنتجات، والتجار يستوردونه من تركيا وبلدان اخرى، انما من دون دعم. وهذا ما سينعكس ارتفاعاً اضافياً في أسعار منتجات الافران.
ورأى سيف انّ هناك حلاً وحيداً متوفراً حالياً وهو الأقرب الى التنفيذ، قد يشكّل حلاً موقتاً ريثما يتمّ البت بقرض البنك الدولي، ويقضي بطلب الحكومة من مصرف لبنان رصد 15 مليون دولار من الاحتياطي الالزامي لتأمين نحو 30 الف طن من القمح تكفي لبنان حوالى الشهر ونصف الشهر المقبلين، أي فور انتهاء المخزون الحالي، في أسرع وقت ممكن، أي يتمّ تأمينها خلال مدة لا تتجاوز الـ 20 يوماً كحدّ أقصى، لمدّ السوق بالطحين فور انتهاء المخزون الحالي، وذلك لتغطية النقص المتوقع بين الفترة التي ينتهي فيها مخزون المطاحن أي بعد 20 يوماً، إلى حين بدء الاستفادة من قرض البنك الدولي أي بعد شهرين كحدّ أدنى. وقال: «لتجنّب الوقوع بالنقص يجب اعتماد هذا الحل في اقرب وقت ممكن، أي خلال 24 الى 48 ساعة، وبعدها يمكن تأمين القمح بعد 20 يوماً».