المنافس الاقوى لميقاتي كان

أظهَر تكليف الرئيس نجيب ميقاتي مجددا تشكيل حكومة انّ التفاهمات المسبقة لا تزال سيدة القرار في العمل السياسي اللبناني، وإن أدرجَ البعض الـ٥٤ صوتاً التي نالها ميقاتي في خانة «التكليف الضعيف» إلّا انه استفاد من تشتت المعارضة وعدم اجماعها على قرار موحد من جهة، ومن جهة ثانية اكد رغبته في تحمّل المسؤولية وخبرته في ادارة الازمات وشجاعته في لعب دور الانتحاري، وهي صفات سجّلت له نقاطاً على اي مرشح منافس له يتملّكه خوف كبير من ان تبتلعه رمال لبنان المتحركة اذا لم يكن له سند قوي اقليمي ودولي، وهذا هو الحال في ظل تَرك لبنان لقدره…

ودعت مصادر سياسية واكبت الاستشارات الى التوقف عند «اشارات في منتهى الاهمية» أفرزتها المواقف السياسية للكتل النيابية، وقالت لـ»الجمهورية» انّ «اصطفاف الكتل وتَوزّع الاصوات هو مَدار نقاش وقراءة معمقة: أولاً الحزب التقدمي الاشتراكي سمّى نواف سلام، «القوات اللبنانية» لم تسمّ، «حزب الله» سمّى ميقاتي، لا صوت درزيا سجّل في خانة ميقاتي، تَمايز في موقف تكتل «لبنان القوي» بخروج النائب محمد يحيى عن قراره مسمياً ميقاتي، كذلك نواب الارمن الثلاثة، انقسام نواب التغيير (١٠-٣)، حصول ميقاتي على عدد جيد من اصوات النواب السنة وعلى ١١ صوتاً من الاصوات المسيحية… اما الاخطر، تضيف المصادر، فهو انّ المنافس الاقوى لميقاتي كان «اللاأحد»، اي اذا كان هذا اللاأحد هو المرشّح x لكان من الممكن ان تطيح المعارضة بمرشح السلطة وتتحوّل الى اكثرية لأنّ أوراق اللاأحد بلغت ٤٦، اي بفارق ٨ اصوات عن ميقاتي، ولو أُعطي 30 منها لنواف سلام لكان يمكن ان يصبح الاخير رئيساً مكلفاً».


وحول الميثاقية، اكدت المصادر انّ «الميثاقية هي فقط في التأليف لا في التكليف ولا في الثقة بالحكومة، وهذا الامر سقط من الاهتمامات في احتساب نوعية الاصوات وتوزّعها على الطوائف، فوحده التشكيل يحتسب على الميثاقية الثابتة عرفاً وحتى دستوراً كمناصفة».


وإذ رأت المصادر «انّ سيناريو التأليف يمكن ان يمون على غرار حكومة تصريف الاعمال الحالية»، تخوّفت في الوقت نفسه من «ان يشكّل آخر توقيع لعون في عهده قبل ان ينهي ولايته عائقاً امام ولادة الحكومة اذا لم يتفاهم ميقاتي مع باسيل، وهنا نكون قد دخلنا في أزمة صلاحيات وفراغ مفتوح على مستوى كل السلطات».


وقالت مصادر الفريق الذي سمّى ميقاتي لتأليف الحكومة لـ«الجمهورية» انه مع المجلس النيابي الجديد بات معروفاً انّ منطق الارقام في الاختيارات اصبح من زمن الماضي، وبالتالي باتت العبرة في تثبيت النجاح وليس في عدد الارقام، وهذا ما انطبقَ على يوم الانتخابات الطويل في مجلس النواب، اي على انتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة مكتب المجلس، كذلك تكرّس هذا الامر في انتخابات رؤساء اللجان النيابية واعضائها والمقررين، حيث انتصر التوافق على لغة الارقام.


امّا الواقعة الثالثة فكانت في «الاستشارات النيابية الملزمة امس التي انتهت بتسمية ميقاتي الذي فرضَ نفسه خياراً متقدماً غير قابل للكسر». وفي معلومات لـ«الجمهورية» انّ بوانتاجات عدة أجرتها «القوات اللبنانية» مع حلفائها الاقليميين على مدى الايام الثلاثة التي سبقت يوم الاستشارات وظهرَ فيها ميقاتي متقدماً على السفير نواف سلام بأكثر من 5 اصوات. ويضاف الى ذلك اتصالات مصرية ـ اردنية أدّت الى مغادرة خيار هزيمة جديدة محققة لـ«القوات» وحلفائها، وهذا ما أدى الى قرار سريع بالتراجع عن خيار المواجهة وترك رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في خياره وحيداً مع حزب الكتائب و10 نواب تغييريين بعد ان تم توريطه ابتداءً».

واضافت هذه المصادر انّ ميقاتي الذي فُوجىء بموقف جنبلاط الذي أيّد نواف سلام، فإنه على رغم من ذلك ومن ملاحظات جنبلاط على اداء حكومته الاخيرة، واعتماداً على إمساكه، أي جنبلاط، بورقة الميثاقية الدرزية كاملة وتَفهّماً منه (اي ميقاتي) للاحراج الذي طبعَ الخيارات الجنبلاطية الاخيرة، فإنه من الواضح انه سيتم تجاوز واقِع ما جرى وسيَحتكر جنبلاط التمثيل الدرزي في الحكومة الجديدة اذا قُدّر لها ان تشكّل».


ورأت المصادر نفسها «أنّ «القوات» بخيارها تحاول ان تحافظ على هوامش تعطيل بادعاءاتها انها ترغب في ان تمثّل وهي في هذه الخطوة تحافظ على حضورها في مواجهة «التيار الوطني الحر» وتمنع احداً من الاستئثار بالتمثيل المسيحي، وفي الوقت نفسه تكون مساهمة في عرقلة حكومة ميقاتي، و«القوات» بهذه الطريقة تبقى على تماس مع معركة انتخابات رئاسة الجمهورية التي تشكّل الهَم الاكبر لدى رئيسها الدكتور سمير جعجع غير المقتنع بأنه فقدَ فرصته في الوصول الى رئاسة الجمهورية».

امّا على صعيد التيار الوطني الحر فتقول المصادر «انّ موضوع «التيار الوطني»، والذي يمكن ان يكون المخرج له اعادة إنتاج الحكومة الحالية مع بعض التغييرات في الاسماء المسيحية والسنية والدرزية، وهذا يُمَكّن حكومة ميقاتي، اذا ولدت، من ان تتجاوز الامتحان الاصعب على طريق الولادة وهو توقيع رئيس الجمهورية لمرسوم تأليفها».

ولفتت المصادر ايّاها الى «ان ليس هناك من شك في انّ الاصوات الـ 26 للثنائي الشيعي والاصوات السنية الـ 16 مقرونة بدعم الرئيس سعد الحريري هي الاساس الصلب الذي اتّكَأ عليه ميقاتي الرابع للعودة الى رئاسة الحكومة. وفي المحصّلة هزيمة جديدة تلقّاها «السياديون» و«التغييريون» في المجلس الجديد مُضافاً اليهم الحزب التقدمي الاشتراكي الذي تَجرّع الهزيمة إماّ بِفَخ، او بقرار ذاتي من نفسه، وهذه النتيجة مع ما سبقها تؤكد ان موازين القوى الحقيقية هي التي تحكم توازنات البرلمان الجديد».

وفي نهاية اليوم الطويل أبدَت مصادر قريبة من رئيس الجمهورية لـ«الجمهورية» ارتياحها الى انجاز الاستحقاق الدستوري الخاص بالاستشارات النيابية الملزمة، والذي تم وفق الترتيبات التي وضعت لهذه الغاية وانتهت الى ما انتهت اليه بطريقة طبيعية جداً لم تحمل اي مفاجآت على الاطلاق.

وقالت هذه المصادر انّ رئيس الجمهورية وجّه الى الذين استشارَهم سؤالاً واحداً: من تسمّون لتأليف الحكومة العتيدة؟ وكانت الاجوبة متطابقة مع ما أعلن من على منصة القصر الجمهوري امام الاعلاميين.

وعمّا رافق بعض اللقاءات، قالت المصادر انه أثناء لقاء عون والنواب «التغييريين» الذين شاركوا في وفد واحد كما رغبوا ذلك وليس بمِثل ما تَضمّنه برنامج الاستشارات، سَمع منهم كلاما واضحا. وعندما أبلغ انّ 10 منهم سمّوا سلام من أصل 13، طلبَ عون منهم تسمية مَن رفض هذه الصيغة، فأبلغ بالأسماء الثلاثة لتدوينها على لائحة عدم التسمية.

وفي مقارنة لاستشارات الامس مع استشارات التكليف لتأليف الحكومات السابقة في عهد الرئيس ميشال عون، فإنّ الرئيس سعد الحريري نال 112 صوتًا عند تكليفه في 3 تشرين الثاني 2016 وألّف حكومة استقالت في أيار 2018 بسبب الإنتخابات النيابية. ثم نال 111 صوتاً عند تكليفه في 24 أيار 2018 وشكّل حكومة استقالت إثر ثورة 17 تشرين في العام 2019. ثم كُلّف الرئيس حسان دياب بـ 69 صوتاً في 19 كانون الأول 2019 وشكّل حكومة استقالت في 10 آب بعد انفجار مرفأ بيروت. بعده كُلف السفير مصطفى أديب بـ 90 صوتاً لكنه لم يتمكّن من تشكيل الحكومة. ثم كلّف الحريري مجدداً بـ 65 صوتاً إلّا أنّه أيضاً لم يَتمكن من تأليف حكومته، ليُكلّف ميقاتي بعده بـ 72 صوتاً واستقالت حكومته التي تصرّف الاعمال حالياً في 21 أيار الفائت إثر إنجازها الانتخابات النيابية وتسلّم المجلس النيابي الجديد مهماته.

الجمهورية

يقرأون الآن