حاول أحد أبناء عنصر متقاعد في قوى الأمن الداخلي الأسبوع الماضي إدخال والدته، المضمونة على حساب قوى الأمن، الى أحد مستشفيات البقاع بعد إصابتها بكورونا، فكان الجواب بأن عليه أولاً دفع مبلغ 10 ملايين ليرة في مكتب الدخول، وهذا ما حصل بعدما اقتنعت العائلة المذكورة بأن ضمان قوى الأمن الاستشفائي أصبح عاجزاً وقد تُرك العسكريون للأسف لمصيرهم.
هذه حادثة من عشرات تمثّل المأساة التي تلاحق الموظفين والعسكريين، الذين لا يتعدّى راتبهم الـ90 دولاراً، ومن بينهم أحمد مهنا، المؤهّل أول المتقاعد في قوى الأمن الداخلي، ابن بلدة راشيا، الذي قرّر أن يعبّر عن وجعه وحزنه على وطنه وما آلت اليه أوضاعه المعيشية والاجتماعية بطريقة مختلفة، معلناً الإضراب عن الطعام والاعتصام في حرم نصب الشهداء في وسط بيروت.
طوى أحمد البالغ من العمر 59 عاماً والأب لثلاثة أولاد، يومه الـ15 من دون تناول الطعام. قوته وسبب صموده، كما يقول لموقع mtv، بعض السوائل أو لبن عيران بناء على نصيحة طبية، وسيجارة تعينه على ساعات النهار الطويلة التي يقضيها في الساحة يتفيأ ظل "شرشف" صغير، وقد رفضت محافظة بيروت إعطاءه الإذن بنصب خيمة تأويه.
أي مسؤول لم يسأل عنه طوال هذين الأسبوعين، حتى المعنيين بقضيته والمطلوب منهم الوقوف عند وجعه وحاجته. إلا أن حجم اليأس والإحباط الذي يعيشه هذا الرجل جعله يرفع الصوت إلى ما هو أبعد من رغيف الخبز والقوت اليومي للعسكريين والمتقاعدين، ليضع الإصبع على جرح هذا الوطن الذي تنخر بجسمه المريض الكثير من الآفات والأمراض. "مشكلتنا بالطائفية السياسية وأكثر ما نحتاج اليه هو نهضة فكرية انسانية"، يقول مهنا، مضيفاً: "الإحباط وفقدان الكرامة الوطنية والانسانية يدفعك للقيام بهذا الأمر. فنحن نموت رويداً رويداً".
"لا مطلب شخصي لديّ، إنما رسالتي للناس وللوعي"، هكذا يختصر مهنا إضرابه، متحدثاً بغصة عمّا آلت اليه أوضاعه وأوضاع زملائه، الذين يتردد بعضهم إلى مكان اعتصامه معلنين تأييدهم، مستطرداً بغصة: قد أكون قادراً على العيش ولكن "بآخر عمري ليش بدي مدّ إيدي للناس؟"، مطالباً بتحسين الرواتب لموظفي القطاع العام لاسيما رجال القوى الأمنيّة والمتقاعدين وإعادة تغطية التكاليف الاستشفائية لهم بسبب عدم قدرة المتقاعدين على دفع مبالغ مالية.
وبينما يرفع مهنا لافتات كثيرة دوّن عليها مطالب عدة، يشدد على أن المطلب الأساسي ومحور المطالب هو تغليب مصلحة المواطن، فالانسان هو الذي من أجله تُرفع المطالب، ومن أجل تحقيق هذه المطالب يكون النضال".
على أمل أن يُسمع صوت أحمد، الذي يحكي وجع الآلاف من الموجوعين بصمت، لا سيما العسكريين الذين يضطر البعض منهم للعمل في أوقات "مأذونياتهم" والبعض الآخر للفرار بحثاً عن قوت عائلاتهم.
كبر الوجع كثيراً، ليس وجع أحمد فقط، ومعيب أن يمرّ 15 يوماً على مواطن مضرب عن الطعام في قلب العاصمة، وصوت مسؤول واحد على الأقلّ في هذه الدولة لم يُسمع.
نادر حجاز - موقع mtv