اعترف المدير العام للتربية بالتكليف ورئيس مصلحة التعليم الخاص، عماد الأشقر، بعجز وزارة التربية عن محاسبة المدارس التي "دولرت" أقساطها، متحفّظاً، في مقابلة مع "الاخبار"، عن اعتبار تعطيل عمل المجالس التحكيمية التربوية مقصوداً... وفيما هدّد بتوقيف تواقيع مديري المدارس الخاصة الذين زوّروا المعدلات المدرسية التي كان يفترض أن تضاف إلى مجموع علامات شهادة البريفيه، لكنها ألغيت بنتيجة التزوير، تعهّد أيضاً بالعمل على إقفال المدارس ـ الدكاكين
كان لافتاً أن تعتبروا إجراء الامتحانات الرسمية إنجازاً في حين خرجت الكثير من علامات الاستفهام بعيد صدور النتائج لتشكّك في صدقية العلامات الكاملة، وعدد التقديرات المغايرة لتقييم التلامذة في مدارسهم وثانوياتهم، ما هو تفسير هذه النتائج برأيكم؟
إذا أجرينا مقارنة بين نتائج آخر امتحانات للشهادة المتوسطة في عام 2018 ونتائج امتحانات هذا العام سنجد أن النسبة العامة للنجاح في الشهادة المتوسطة تراجعت من 81% إلى 79% رغم تقليص المناهج وخفض عدد المواد، وهذا مرتبط طبعاً بالوضع الاستثنائي وبسنتين من الإقفال بسبب كورونا. نعم الامتحانات إنجاز لجهة النجاح في تأمين مواردها المالية، أو توفير حوافز المراقبة والتصحيح للأساتذة، وتنظيم الاستحقاق للشهادة المتوسطة بعد توقيفها لسنتين. سمعنا أكثر من وجهة نظر إيجابية وسلبية حيال الامتحانات. بالنسبة إلي، أن يُجرى الاستحقاق هو إيجابية بحد ذاتها، ولا سيما على مرأى من المجتمع الدولي والدول المانحة. أما موضوع اختلاف التقييم بين الامتحانات الرسمية والمدرسية فهذا غير جديد وليس معياراً للقياس والتعميم على 61 ألف طالب أجروا الامتحانات. هناك محاولات غشّ ضُبطت وأخرى لم نعلم بها، وهناك طلاب لم يدرسوا طيلة العام الدراسي لأنهم لم يصدّقوا أن الامتحانات ستُجرى وعندما أدركوا أنها أمر واقع التحقوا بمراكز للتقوية في الشهرين الأخيرين.
لماذا بقي لدى الإدارة التربوية إصرار على إضافة المعدل العام للتلميذ في المدرسة كمادة إلى مجموع علامات البريفيه رغم كل التحذيرات لكم بإمكان حدوث "زعبرة"؟
لم نكن ننتظر المدارس لـ "تمرق" علينا «الزعبرة» بدليل أن المرسوم ترك لوزير التربية صلاحية تعليق المادة المتعلقة بالعلامة المدرسية، وهذا ما حصل عندما اكتشفنا، عبر برنامج إلكتروني، أن نسب النجاح لن تكون منطقية وسينجح طلاب على حساب آخرين. ولكنني أريد أن أغتنم الفرصة، عبر جريدتكم، لأقول لأصحاب المدارس الخاصة الذين تذاكوا وأرسلوا إليّ معدلات عامة لطلابهم تساوي 20 من 20 أن ينتظروا مني تدبيراً قاسياً. بتُّ أريد أن أعرف من هو هذا الطالب الذي يأخذ مثل هذا المعدل للحفاظ عليه لكونه ثروة للبلد، وسأهنئ المدير بالطريقة المناسبة التي تبدأ ولا تنتهي بتوقيف توقيعه، وعدم قبول لوائح مدرسته. هذا في التعليم الخاص، أما في التعليم الرسمي فسأطبق القانون من توجيه إنذارات وكتب تأنيب وغيرها.
بما أننا نتحدث عن محاسبة مديري المدارس الخاصة، فقد اقتحمت "الدولرة" الأقساط في معظم المدارس، هل ستتدخل مصلحة التعليم الخاص لحماية الأهالي ومحاسبة أصحاب المدارس المخالفة للقانون؟ وكيف؟ وما هي حدود صلاحياتها في ذلك؟
كنت نبّهت وزير التربية السابق طارق المجذوب والوزير الحالي عباس الحلبي إلى أن الدولرة قنبلة ستنفجر في وجوهنا جميعاً، لأن لا أحد سيعمل بالمجان، على ما يقول أصحاب المدارس، وهناك مصاريف يجب أن يؤمّنوها، وتقريباً لم تبق أي مدرسة خاصة لم تعتمد الدولرة وضاعفت القسط بالليرة اللبنانية في الوقت نفسه. المشكلة الأساسية هي في قانون تنظيم الموازنة المدرسية وتحديد القسط المدرسي الرقم 515 الذي كان صالحاً لدى صدوره في عام 1996 ولم يعد كذلك ويجب إعادة النظر فيه من الأساس. ففي العام الماضي، حوّلنا 73 مدرسة من كل المناطق إلى القضاء من دون أن يصدر أي حكم، بسبب تعطيل 7 مجالس تحكيمية.
لكنكم موجودون في مصلحة التعليم الخاص منذ أكثر من 15 عاماً، لماذا ليست هناك مجالس تحكيمية تربوية حتى اليوم؟
بالمختصر سياسة.
من السهل أن نقول سياسة، من هي الجهة التي لا تريد المجالس التحكيمية؟ أصحاب المدارس الخاصة؟
لا أعتقد أن أصحاب المدارس الخاصة يعارضون قيام مجالس تحكيمية، فمن مصلحتهم أن يحصّلوا حقوقهم.
من إذاً؟
لا أعرف إذا كان التعطيل مقصوداً.
كيف ذلك؟ أيعقل أن لا يكون مقصوداً؟
نرفع منذ عام 2016 مراسيم المجالس التحكيمية إلى مجلس الوزراء ثم تعود إلينا إما للاستكمال أو استبدال اسم مكان آخر، وهكذا يجري التعطيل. سقف عمل مصلحة التعليم الخاص هو المادة 13 من القانون 515 التي تسمح لها بالاستعانة بخبراء محاسبة للتدقيق في الموازنات المدرسية. وسبق لنا أن استعنّا بمكتب محاسبة للتدقيق بـ 100 موازنة بناءً على شكاوى وصلتنا من لجان أهل وأهالٍ باعتبار أن بعض اللجان تكون موضع شك، وقد وجدنا أن هناك 73 مدرسة خالفت القانون، وأحلنا هذه المدارس إلى المجالس التحكيمية في المحافظات، ومنها 32 مدرسة أمام المجلس التحكيمي في جبل لبنان، وهو المجلس الوحيد الشغّال، ولتاريخه لم يُفصَل في أي ملف. سأواصل عملي وسأحوّل إلى القضاء ملفات جميع المدارس التي قدّمت موازناتها في العام الدراسي الحالي 2021 ـ 2022، لأن كل الزودات كانت غير قانونية.
تقرون للتوّ أن لا أفق للمحاسبة فيما المدارس ماضية في "تشليح" الناس؟
إذا أردنا توصيف الواقع نقول إن المشكلة الأساسية مرتبطة بالطاقة التي يؤمّنها الفيول، ومطلوب من المدرسة أن تكون شفافة في الحوار مع الأهل والمعلمين فتقول لهم مثلاً إنها مضطرة لزيادة 200 دولار على أن تذهب 100 دولار منها للمازوت و100 دولار لرواتب المعلمين، لا أن تفرض 600 دولار بشكل اعتباطي وتقول إنها ستدفع للأستاذ الذي لا يصله شيء.
ماذا عن المعلمين في القطاع الخاص، هل لديكم إحصاء عن أعداد الذين غادروا التعليم وما صحة ما قاله نقيب المعلمين رودولف عبود عن أن 60% من المعلمين يتقاضون رواتب أقل مما يستحقونه في القانون؟
عن أيّ قانون يتحدث النقيب؟ إذا كان يقصد قانون سلسلة الرتب والرواتب، فإن القانون مطبّق في المدارس الخاصة باستثناء الدرجات الست التي لا تزال عالقة في بعضها. أما إذا كان يتحدث عن أن الرواتب الحالية فقدت من قيمتها نتيجة للأزمة، فليسمح لي ويمكن أن يكون هذا الكلام قاسياً، ليس هناك أي حق للأساتذة ما دام ليس هناك قانون ينص على زيادة الرواتب، وسمعته أيضاً يتحدث عن دولرة معاش الأستاذ فليقل لنا إلى أيّ قانون يستند في هذه المطالبة.
في الواقع يطالب النقيب بإعطاء أساتذة التعليم الخاص حوافز بالدولار أسوة بأساتذة التعليم الرسمي، إلى أي مدى هناك إمكانية أن تشملهم مساعدة الـ90 دولاراً؟
التعليم الخاص تعليم حرّ، وعندما حاول الرئيس فؤاد السنيورة في عام 2010 أن يفرض ضرائب على المدارس قامت الدنيا ولم تقعد. هل تعلمين أن كلفة ترخيص المدرسة الخاصة لا تتجاوز 26 ألف ليرة يدفعها صاحبها لقاء طوابع فقط إضافة إلى بعض الرسوم البلدية والحانوت، ويفترض أنه لا يبغي الربح وهو لا يسهم مع الدولة بشيء، وبالتالي ليس له الحق في أن يطالبها بشيء. أما بالنسبة إلى حوافز الـ90 دولاراً، حضرة النقيب يعرف أنه لو لم يتحرّك البنك الدولي ويؤمّن هذه الحوافز لما كان هناك عام دراسي في التعليم الرسمي. بالعودة إلى نسبة المعلمين الذين غادروا التعليم الخاص فهي تلامس 25% والنسبة نفسها في التعليم الرسمي.
لننتقل إلى دكاكين التعليم الخاص حيث التلامذة الوهميون وعدد المعلمين أكبر من عدد التلامذة؟ لماذا لم تُقفل هذه المدارس بعد؟ ولماذا تُعطى الموافقات الاستثنائية للبعض وتُحجب عن آخرين، وما صحة الكلام عن مساهمتكم شخصياً في دعم هذه المدارس وتفريخ تجمّع مدارس خاصة ونقابات غير مرخّصة؟
لا علاقة لي بالنقابات في التعليم الخاص لا في المركز ولا في الأطراف، لا في البقاع ولا في الشمال. الترخيص يجري في وزارة العمل. كثيرون ينسبون إليّ اتهامات لا علاقة لي بها. وجريدتكم لم توفّرني في كثير من الأماكن. المؤشر الذي أتوقف عنده هو نتائج الشهادة المتوسطة حيث يرسب 14 ألف تلميذ من أصل 61 ألفاً رغم الشوائب التي تتحدثون عنها. بكل الأحوال، ليس لديّ شخصياً حق أن أعطي موافقات استثنائية لأي مدرسة للعمل من دون ترخيص، وليس لديّ الحق أيضاً باقتراح الموافقة. الموافقات تأتي من فوق إلى تحت أي من الوزير إلى مصلحة التعليم الخاص، علماً أنني أرفع منذ عام 2016 تقارير إلى وزراء التربية تنادي بإقفال هذه المدارس وعدم إعطاء الموافقات الاستثنائية.
ما الذي منع من ذلك؟
أحد وزراء التربية حجز في عام 2014 ملفات المدارس وعرقل استكمال طلبات الترخيص.
لكن مشكلة المدارس التي تحصل على موافقات استثنائية وتعمل من دون تراخيص تعود إلى أكثر من 50 عاماً؟
صحيح لدينا مدرسة حاصلة على موافقة استثنائية منذ عام 1986 ولم تُقفل. أتأمل أن تُقفل كل المدارس التي ليس لديها تراخيص وأتعهّد بالعمل لهذه الغاية.
التعليم الرسمي يشهد انحداراً غير مسبوق مقابل استقباله عشرات آلاف التلامذة من التعليم الخاص من عام 2018 وحتى اليوم، ما هو الرقم الدقيق لعدد النازحين هذا العام، وهل هناك فعلاً هجرة معاكسة ملموسة؟
الهجرة المعاكسة من التعليم الرسمي إلى التعليم الخاص حصلت فقط في العام الأخير 2021 ـ 2022 عندما خاف الأهالي على أولادهم، ولا سيما في صفوف الشهادات الرسمية، من عدم استكمال العام الدراسي نتيجة إضرابات المعلمين. بحكم موقعي في مصلحة التعليم الخاص ومعاينتي لواقع المدارس خلال التعليم عن بعد الذي لم يكن بالمستوى المطلوب، توقّعت نزوح 150 ألف تلميذ من التعليم الخاص إلى التعليم الرسمي وكتبت للوزير المجذوب حول أهمية أن نكون مستعدّين لاستقبال هؤلاء التلامذة مع العودة إلى التعليم الحضوري. لكن ذلك لم يحصل للأسباب التي ذكرتها. أما هذا العام فأتوقع نزوحاً كبيراً إلى التعليم الرسمي، لأن الطبقة المتوسطة المكوّنة من موظفي الإدارة العامة والأسلاك العسكرية لن تقوى على دفع أقساط المدارس الخاصة. أحذّر من أننا ذاهبون إلى تعليم طبقي حيث الميسور يتعلم في المدرسة الخاصة، وغير الميسور يتعلم في المدرسة الرسمية إذا حصل على مقعد دراسي.
روابط التعليم تهدّد بمقاطعة العام الدراسي، وهي تحدثت عن هجرة للمعلمين بعدما لامست طلبات الاستيداع الـ35% وهؤلاء من أصحاب الكفاءات العلمية ويصعب استبدالهم بالأساتذة المتعاقدين، فمن سيحلّ مكانهم؟ ما هي الحلول المطروحة لهذا الملف؟ وهل التعليم الرسمي مهدّد بالإقفال فعلاً؟
بالنسبة إلى التعليم الرسمي، عاد وزير التربية للتوّ من قطر وهو يبحث عن أموال للتعليم الجامعي وما قبل الجامعي الأكاديمي والمهني وحوافز للمعلمين وبدء عام دراسي طبيعي. صحيح أن هناك نسبة كبيرة من المعلمين تقدّمت بطلبات استيداع وإجازات من دون راتب، ولكنّ الرقم 35% مبالغ فيه، وليس صحيحاً أن التعليم الرسمي أُفرغ من الكفاءات التعليمية التي نعمل على تعزيز صمودها من خلال التواصل مع الجهات المانحة. لسنا مرتاحين للوضع. المشكلة أن الجميع في الدولة يريد من وزارة التربية أن تخدمه ولا أحد يريد أن يساعدها في شيء. هي وزارة الوزارات ولولا التربية لما كان هناك مدير عام ولا ضابط، ومن وراء التربية باتت لدينا جالية لبنانية "عم تخلي لبنان عايش". عرفوا كيف يضربون العصب الأساسي وتركوا مسؤولية إنقاذ التعليم العام على كاهل وزير التربية والمدير العام للتربية، والجامعة اللبنانية على كاهل رئيسها ووزيرها.