خلال الاجتماع الحكومي غير الرسمي، الذي عقده رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، كانت مسألة رفع تعرفة الكهرباء موضع نقاش جديّ بين المشاركين، انتهى إلى رفض عدد من الوزراء المسّ بالتعرفة اذا لم تُرفع ساعات التغذية وهي شرط أساسي قبل رفع الدعم عن فاتورة الكهرباء، وذلك بعدما اتخذ مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان قراراً بتصحيح التعرفة ووجّهه إلى وزير الطاقة الذي يفترض أنه أحاله إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
في الواقع، فإنّه ومنذ العام 1994، تمّ تثبيت تعرفة مؤسسة كهرباء لبنان عند شطور تبدأ من 138 ليرة للكيلوواط/ ساعة، يوم كان ثمن برميل النفط يقارب العشرين دولاراً. ومنذ ذلك الوقت، ارتفعت أسعار النفط عالمياً على مراحل، وصولاً إلى مستويات تتجاوز المئة دولار للبرميل، أي نحو خمس مرّات ثمن البرميل سنة 1994، من دون أن يتمّ تبديل هذه التعرفة على الرغم من ارتفاع كلفة المحروقات المستخدمة في المعامل. ومع حصول الانهيار المالي وتدهور قيمة الليرة، انخفضت قيمة التعرفة بالدولار النقدي إلى ما دون السنت الواحد أو 1,5 في أحسن الحالات، بعدما كانت تتجاوز تسعة سنتات سابقاً.
أكثر من ذلك، فإنّ اللبنانيين صاروا أسرى مافيا المولدات التجارية التي تتحكّم بيومياتهم حيث تصل كلفة الكيلوواط الواحد أحياناً إلى ستين سنتاً، بينما يرفض البعض تسديد فاتورة مؤسسة كهرباء لبنان أو يفضّل السطو والتعدّي على الشبكة العامة من دون أن يتكبّد أي ليرة في المقابل.
ولأنّ نسبة كبيرة من المستهلكين هم من الفئات الفقيرة فقد حدّد قرار مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان، التسعيرة الاولية للكيلوواط بـ10 سنتات (على سعر صيرفة أي حوالى 2700 ليرة) لأول مئة كيلوواط وهي تسعيرة تشمل كلّ المشتركين الذين يتخطى عددهم المليون، فيما ستكون تسعيرة الشطر الثاني، بعد تجاوز المئة كيلوواط، 27 سنتاً لكل كيلوواط. وبذلك قد تتمكن المؤسسة من سداد ثمن الفيول الذي ستشتريه لتشغيل معامل الانتاج من خلال التوازن بين التسعيرتين، مع العلم أنّ كلفة الانتاج تتراوح الآن بين 10 و25 سنتاً لكل كليوواط ربطاً بنوعية المعمل.
ولكن سلوك هذا القرار طريقه إلى التنفيذ، دونه أكثر من عقبة أو عقدة:
أولاً، كيف سيتأمّن الفيول اذا كانت مؤسسة كهرباء لبنان مفلسة (ولو أنّ مجلس إدارتها واجه مرّة وزارة المال بمستحقات المؤسسة من الإدارات الرسمية والعامة والتي تبلغ حوالى 1800 مليار ليرة)، خصوصاً في ضوء رفض بعض الجهات التعرفة اذا لم ترفع ساعات التغذية، وهي الآن ساعتان يؤمنهما الفيول العراقي.
ثانياً، كيف ستتمكن المؤسسة من تحصيل الفواتير في ظلّ الهدرين الفنيّ والتقني (حوالى 38% من الانتاج يذهب هدراً) والامتناع عن الجباية (كانت نسبته حوالى 5% قبل وقوع الأزمة وإجراءات الاقفال بسبب كورونا)، ولكنه مرشّح للاتساع اذا ما رفعت التعرفة حيث سيمتنع كثيرون عن تسديد الفواتير.
يقول أحد أعضاء مجلس الإدارة إنّ العقدتين كانتا موضع نقاش خلال الاجتماع المذكور، حيث يبدو أنّ وزير الطاقة وليد فياض وعد بإجراء سلسلة اتصالات مع نظراء له في دول قد توافق على إمداد المؤسسة بالفيول كدين، لمدة ثلاثة أشهر أو ستة أشهر، لكي تتمكن المؤسسة من جباية الفواتير وتأمين المبالغ المتوجبة عليها بدل الفيول. لكن الموضوع لا يزال محور الاتصالات.
أمّا في ما خصّ الهدرين الفني والتقني، فيلفت إلى أنّ مجلس الإدارة طالب بأن يكون القرار موضع اتفاق سياسي يؤمّن غطاء ومؤازرة أمنية وقضائية لكي لا تقع المؤسسة في عجز جديد نتيجة التعديات والامتناع عن سداد الفواتير وهو أمر متوقع. كذلك فإنّ مجلس الادارة اتخذ قراراً بإصدار فواتير ثلاثية (فاتورة عن ثلاثة أشهر) وذلك لسداد كل مستحقاتها المتأخرة عن السنتين الأخيرتين التي تأخرت خلالهما الجباية، مع العلم أنّ المتأخرات تبلغ حوالى 2500 مليار ليرة، وهي غير تلك المتوجبة على الإدارات الرسمية.
وبالفعل، فقد أفادت مصادر متابعة أنّ وزير الطاقة وجّه أمس كتاباً إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء ضمّنه قرار مجلس إدارة مؤسسة كهرباء، يطلب فيه اتخاذ الإجراءات اللازمة لرفع التعرفة بعدما أبلغ وزارة المال بذلك، وفي باله إصدار القرار في موافقة استثنائية، علماً أنه وفقاً للنظام الداخلي للمؤسسة، فإن مجلس الإدارة هو صاحب الصلاحية في اتخاذ قرار رفع التعرفة وتتمّ المصادقة عليه من وزير الطاقة وموافقة وزير المال، وسبق لمجلس الوزارء أن أعطى موافقة في العام ٢٠١٧ على رفع التعرفة.
كلير شكر - نداء الوطن