هي مرحلة من الوقت المستقطع في المنطقة في انتظار ما ستسفر عنه الأسابيع المقبلة من تطورات خارجية تسقط نفسها حكماً على لبنان، وسط تساؤلات مكررة حول ما إذا كان سيتعرض لحرب إسرائيلية ربطاً بملف الترسيم البحري قبل قليل على وصول الرد الإسرائيلي عبر الوسيط الأميركي آموس هوكستين.
يأتي ذلك بعد أسابيع على مرور استحقاق هام في المنطقة جسّ نبض الجميع خلال الحرب الإسرائيلية على حركة "الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة ما طرح التساؤل حول انعكاس ذلك على لبنان.
كثيرة هي الخلاصات التي خرج بها المعنيون بتلك الحرب المصغرة التي لم تتخط الايام الثلاثة، وأهمها أن لا حرب قريبة مع "حزب الله" ولبنان. وقد شرع قادة فصائل محور الممانعة بلقاءات متتالية على مستويات الصف الاول كما أقل من ذلك، للتداول بما حصل وتفصيله والخروج برؤية موحدة لما قد تأتي به الأيام المقبلة.
وبذلك عقد فصيلا "حماس" و"الجهاد" لقاءات، لا سيما أحدها الذي جمع زعيم الأولى إسماعيل هنية وزعيم الثانية زياد نخالة، للتشاور ومناقشة ما حصل قبل الحرب وخلالها وبعدها وبحث ما قبلها والقرار الإسرائيلي بمحاولة سحق "الجهاد" على غرار محاولة العام 2006 ضرب "حزب الله" مع الفارق طبعا في طبيعة المعركة وتوقيتها وتشابه بعض المحرضين على الحركة، حسب المتابعين.
وكان بحث معمق بين "الجهاد" و"حماس" حول سبب استنكاف الأخيرة عن المشاركة في المعركة سوى بالتضامن الاعلامي والبيانات.
ويشير المتابعون من داخل "المحور" الى ان "حماس" أجابت عن تساؤلات "رفع الغطاء" عن "الجهاد" قبيل المعركة ما سهّل الهجوم على الأخيرة، بينما لم تكن "حماس" في هذا الوارد وهي التي جُرت الى معركة "سيف القدس" التي استهلتها "الجهاد" قبلها بعام وثلاثة أشهر.
وفي كل الأحوال كان ذلك لصالح "الجهاد" التي استثمرت "الإنجاز"، وفق هؤلاء، الذي تحقق بصمودها لوحدها في المعركة محققة انتصارا سياسيا أراح أقطاباً في المحور على غير وفاق مع "حماس" مثل سوريا، لكنها دفعت ثمنا عسكريا باهظا من قياداتها وفي التكلفة البشرية، بينما باتت "حماس" تريد استرجاع قرار المقاومة تجاه بيئتها والعودة لاحتلال المشهد شبه كاملا خاصة على الصعيد الاعلامي كما حدث في "سيف القدس".
هذا الأمر "كان ضروريا للفصيلين لإعادة ترسيخ سياسة الردع تجاه الاسرائيلي وتعزيز المشروع الوطني لكي لا يتجرأ الإسرائيلي على الحرب بهذه السهولة من جديد وعلى عدم استهداف المقاومين من كل الفصائل قتلا واعتقالا".
احتفظت الفصائل بتلك النقاشات داخل الأروقة المغلقة كونها ليست معنية بشق الصف وخدمة الاسرائيلي. وقد انضم "حزب الله" الى تلك النقاشات والتقى أمينه العام السيد حسن نصر الله نخالة وكان بحث مستفيض خلص الى التحسب لكل الظروف، وإن كان المرجح أن لا حرب مقبلة على لبنان.
ويلفت المتابعون لشؤون "المحور" الى ان هذه الحرب، إن حصلت، ستنضم غزة إليها، وإن كان من غير الضروري ان تنضم الفصائل جميها إليها ولكن سيتم الضغط على الاسرائيلي من ناحية الجنوب في حال خاض مغامرة كهذه.
لكن الرائج اليوم أن الحكومة الاسرائيلية لا تريد الحرب ومعها الإدارة الأميركية، مثلما أن "حزب الله" ليس معنيا بهذه الحرب، وهو لا يأتي على ذكرها مهددا بها بل يرفع السقف ويلوح بكل الوسائل لكي يحصّل المكاسب في مفاوضات الترسيم.
ولا يستبعد المتابعون ان تلجأ الادارة الاميركية الى تقديم "جرعات تنفيسية" للبنان في أزمته وإبقائه على قيد الحياة في حال إرجاء المفاوضات التي يعوّل اللبنانيون عليها. كما أن الاميركي سيلجأ الى لجم الحكومة الاسرائيلية عن القيام بأية مغامرة في المنطقة وقد يلجأ الى شراء الوقت لتحصيل مكاسب داخلية قبيل انتخابات الكونغرس بعد أسابيع.
تستبعد وجهة النظر هذه التوصل الى اتفاق للترسيم قبيل الانتخابات الاسرائيلية في تشرين الثاني المقبل لتجنب وصول رئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق بنيامين ناتانياهو الى الحكم، كما لتعزيز المفاوضات مع إيران مع استمرار الضغط على لبنان وشد الحبال مع محور الممانعة سياسيا وعسكريا. هذا من دون استعجال كون واشنطن معنية اولا بالمصلحة الاسرائيلية ولا اولوية لديها للمصلحة الاوروبية في التنقيب، من دون استبعاد أي توتر وصولا الى الحرب في حال بروز معطى مفاجىء يشعل الفتيل سريعا.
تختم وجهة النظر هذه بالإشارة الى أن ملف الترسيم قد يُرجأ مع توقف الحكومة الإسرائيلية عن أية عمليات تنقيب في حقل "كاريش"، ليبقى الملف معلقاً وليستمر السؤال: من هي الشركات التي ستقبل بالتنقيب في الجانب اللبناني؟
عمار نعمة - اللواء