ساعات قليلة تفصل عن بدء المهلة الدستورية للاستحقاق الرئاسي، فيما يبدو أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري غير مستعجل للدعوة إلى أولى الجلسات الانتخابية، على عكس ما كان يُشاع قبل أسابيع، وذلك في ضوء الضبابية التي تحيط بالمشاورات الرئاسية والتي تحول حتى الآن دون نضوجها بشكل يسمح بانتخاب خلف للرئيس ميشال عون... الأمر الذي دفع رئيس المجلس إلى التركيز على التشريع!
ترشيحات رسمية قفزت إلى الحلبة الرئاسية، فيما تستعد أخرى لحجز موقعها على «القائمة الذهبية»، لكنّ أصحابها هم إلى الآن من فئة الباحثين عن «معجزة» تدخلهم إلى نادي رؤساء الجمهورية مع العلم أنّ هؤلاء مقتنعون أنّ الدورة الحالية قد ترسو على اسم سيهبط بالباراشوت، من خارج الاصطفافين أو بالأحرى من خارج نادي التقليديين، أو كبار الموارنة، ولهذا تراهم يسارعون إلى تسجيل ترشيحاتهم على سجلّ الرأي العام. ولو أنّ بعض هذه الترشيحات هي للملهاة لا أكثر!
في الكواليس وحسب "نداء الوطن"، ثمة نقاش من نوع آخر، وتفكير من نوع آخر. لكنه لا يزال دون القدرة على تحديد موعد قريب للاستحقاق الرئاسي، خصوصاً وأنّ خطوط التواصل والاتصال بين «كبار الموارنة» لا تشي بأنّ تفاهماً قريباً قد يسرّع عقارب الانتخابات. حتى الآن لا جدية استثنائية في التعاطي مع الموعد الداهم. وكأنّ الجميع في حال انتظار وترقّب... أو تجميع للأوراق قبل رميها دفعة واحدة على طاولة المفاوضات والمساومات.
وحده رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط حاول تحريك المياه الراكدة من خلال خلق دينامية جديدة تدفع باتجاه استحقاق تفاهمي لا صداميّ، بمعنى السعي إلى خلط الأوراق والاتفاق على اسم يشكّل تقاطعاً للجبهتين. رمى الحجر في بركة «حزب الله» ومعه طبعاً، صديقه القديم، الرئيس بري، وراح ينتظر. وها هو النائب تيمور جنبلاط يقوم بجولة سياسية ذات طابع تشاوري بدأها بلقاء مع البطريرك الماروني بشارة الراعي وستقوده اليوم إلى عين التينة للقاء الرئيس بري، تحت عنوان السعي إلى انتاج رئيس تفاهمي.
يقول المواكبون لهذا المسار إنّ قنوات الاشتراكيين مفتوحة في كلّ الاتجاهات، مع «القوات»، مع النواب «التغييريين»، ولا حواجز تحول دون أي تواصل ممكن مع العونيين، وذلك في محاولة لوضع الخلافات جانباً والبحث عن أطر مشتركة تسمح بانتخاب «رئيس جامع»، والابتعاد عن الأسماء الاستفزازية المرفوضة من أي من الأطراف.
في هذه الأثناء، يسعى الفريق العوني إلى استثمار ما تبقى من أوراق متاحة بين يديه، ومن ضمنها التهويل بفتوى دستورية قد تبقي الرئيس عون في قصر بعبدا في حال لم يستسلم رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي لشروط رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، مع ادراكهم أن هذا المشروع غير قابل للاستثمار لاعتبارات سياسية، دولية ومحلية، تتجاوزهم. وميقاتي يبادلهم اللعبة ذاتها وفي اعتقاده أنّ ممانعته قد تدفع بالفريق العوني إلى السير بمواصفاته الحكومية. ولهذا يصر الطرفان على اللعب على الحافة.
ولكن لجبران باسيل أجندة سياسية تتجاوز المسألة الحكومية. هو فعلاً يريد لحكومة ميقاتي الجديدة أن ترى النور قبل أفول العهد ويريد أن يكون شريكاً مقرراً في هذه الحكومة من خلال الثلث المعطّل لأنه لا يزال يراهن على الوقت، وبأنّه كفيل بقلب الطاولة رأساً على عقب ليعيده مرشّحاً أساسياً، وليس فقط طبيعياً.
ساذج من يعتقد أنّ باسيل قد يتخلى بسهولة عن ورقة الرئاسة حتى لو لم يزل مقيّداً بالعقوبات الأميركية، وهو الذي تابع عن كثب وبأدقّ التفاصيل والمتغيّرات كيف أضحى الجنرال ميشال عون من أكثر المرشحين استفزازاً إلى أكثرهم تجميعاً للتفاهمات. الأرجح أنّ باسيل مقتنع أن في السياسة لا مكان للمستحيل. ولهذا، يعتقد عارفوه أنّه سيستثمر في كلّ «الاحتياط» الذي بين يديه حتى النَفَس الأخير.
هكذا، يرى هؤلاء أنّ الشغور في الرئاسة قد يطول، ورئيس «التيار الوطني الحرّ» لن يعطي بركته بسهولة لماروني آخر. أقله في المدى المنظور. يكفيه رصد تطورات الملف النووي ليبني على الشيء مقتضاه، ما قد يفتح الباب أمامه ليخرج من لائحة العقوبات الأميركية. وتصير الطريق إلى قصر بعبدا أقل صعوبة، حتى لو لم تكن النتيجة مضمونة، ولكنّ تقديم الرئاسة من جانب باسيل في هذه اللحظة على طبق «تفاهمي»، ستكون له ارتدادات سلبية كثيرة على حيثيته ومكانته السياسية لكونه سيفقد الكثير من نفوذه وسلطته. ولهذا، يعتقد عارفوه أنّه سيلجأ إلى كلّ المخزون المتاح قبل أن يرفع يديه استسلاماً أمام أي رئيس جديد.
كلير شكر - نداء الوطن