تتسم العلاقة بين حزب الله والإعلام اللبناني بالتوتر وعدم الثقة في نقل مجريات الحرب الدائرة اليوم، وبشكل أساسي مع وسائل الإعلام التي لطالما كانت تُعَدّ معارِضة للحزب، بحيث وصل الأمر إلى حد رفع دعاوى قضائية والاعتداء على الصحافيين.
البداية كانت مع هجوم شنه مسؤول الإعلام في حزب الله محمد عفيف، على الإعلام المحلي والعربي، منتقداً نقل الرواية الإسرائيلية وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين، ومتهماً بعض الوسائل بإعطاء إحداثيات للعدو، قاصداً بذلك قناة إم تي في، إثر نشرها تقريراً عن القرض الحسن قبل استهدافه بأيام، ما أدى إلى تعرضها لحملة ممنهجة، لتقوم بعدها القناة برفع دعوى قضائية ضد كل من قاموا بهدر الدماء بحق المحطة.
ومع استمرار الحرب تتكشف أكثر عدم الثقة المتبادلة بين الحزب والإعلام المعارض، التي وصلت إلى منع إعلاميين من نقل الأحداث والتغطية المباشرة حتى من يُعدّون في خانة الحلفاء، وصولاً إلى الاعتداء عليهم، وهو ما حصل، الأربعاء، مع الصحافيين محمد البابا (مراسل قناة الحدث)، ونبيل مملوك، الصحافي الذي اتخذ القرار بالبقاء في مدينة صور التي تتعرض للقصف ونقل الأحداث.
ومملوك معروف بمواقفه المعارضة لحزب الله، وكان قد تعرض للتهديد في وقت سابق من قبل شبان في مدينة صور على خلفية منشور له على وسائل التواصل الاجتماعي انتقد فيه أمين عام حزب الله نعيم قاسم. والثلاثاء، تم الاعتداء عليه بالضرب من قِبل عدد من الشبان أمام والده في الصيدلية التي يملكها، كما ظهر واضحاً في الفيديو الذي انتشر، متّهمين إياه بإعطاء إحداثيات للجيش الإسرائيلي عبر إرساله خبر التصدي لمسيّرة إسرائيلية من مكان محدد في المدينة.
وبعدما تعرض مراسل الحدث في البقاع محمود شكر في أثناء قيامه بعمله، في منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، للاعتداء والضرب من قبل شبان عرفوا عن أنفسهم بأنهم من البيئة الحاضنة لـ(حزب الله)، مُنع زميله محمد البابا، الأربعاء، من التغطية في بلدة جون في جبل لبنان، إثر تعرض أحد المباني فيها لغارة أدت إلى سقوط قتلى وجرحى. ويقول البابا لـ"الشرق الأوسط": بعدما كنت قد تواصلت مع المعنيين في المنطقة، وتحديداً البلدية ومخابرات الجيش لأقوم بمداخلة مباشرة من موقع الانفجار، منعني أربعة شبان من القيام بعملي إثر وصولي إلى الموقع، طالبين مني المغادرة، ومهددين بتكسير الكاميرا ما اضطرني إلى الخروج من الموقع برفقة أعضاء من البلدية، ويتّهم البابا صحافياً في قناة محسوبة على المقاومة، بأنه مَن كان خلف التحريض ضدّه، قائلاً: المشكلة أن يصدر فعل كهذا من إعلامي زميل.
كذلك تعرض الإعلامي هشام حداد لحملة تخوين، على خلفية طرحه سؤالاً حول معايير الهزيمة، متحدثاً عن بدء تحضير إعلام المحور الشعب للانتصار، وسأل: أيمتى نهزم؟، بعدما عدّد كل الخسائر الناتجة عن الحرب من الدمار إلى النزوح وغيرها. وهو ما استدعى حملة تخوين ضدّه أدت إلى هدر دمه، وفق ما قال.
وفي حين يبدو الإعلام موحّداً في نقل المجازر والعدوان الإسرائيلي، فإن الاختلاف يظهر بشكل واضح في مقاربة حرب الإسناد التي اتخذ حزب الله القرار بفتح جبهتها لا سيما مع الخسائر البشرية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة التي نتجت عنها، وهنا يظهر الاختلاف الذي يصل إلى حدّ تخوين الرأي الآخر.
وفي هذا الإطار، يصف وزير الإعلام زياد مكاري أداء الإعلام خلال هذه الحرب بالاحترافي رغم بعض الشوائب، رافضاً اتهامات التخوين من أي جهة كانت، ومؤكداً العمل بكل الوسائل لتأمين حرية التغطية لكل الصحافيين.
ويقول لـ"الشرق الأوسط": نحاول حل الحوادث، كلٍّ على حدة، وأتواصل في هذا الشأن مع القضاء والقوى الأمنية ومع الجهة الحزبية إذا كان لها علاقة بما يحدث، مؤكداً أن هناك تواصلاً مع العلاقات الإعلامية في (حزب الله)، وهم حريصون على حل الأمور.
ويصف مكاري أداء الإعلامي والصحافيين اللبنانيين في تغطية الحرب بالاحترافي، مضيفاً: لا شك أن البلد منقسم، وهناك وجهات نظر مختلفة، ودورنا أن نحمي هذا التنوع، مع التأكيد على أننا ضد لغة التخوين من أي جهة كانت.
كذلك، تُثني رلى مخايل، المديرة التنفيذية لمؤسسة مهارات (التي تُعنى بقضايا الإعلام وحرية التعبير)، على دور الإعلام اللبناني في هذه المرحلة، رافضة أن يطلب من الجميع الخضوع لما يملى عليهم، كما تخوين الإعلاميين.
لكن في المقابل، تتّهم مصادر مطلعة على موقف حزب الله وسائل الإعلام بعدم المهنية، وترى أن الدولة مسؤولة عن محاسبتها على أخطائها، مذكّرة بما سبق أن قاله عفيف لجهة الرقابة العسكرية على الإعلام الإسرائيلي، وتشير إلى أن الاعتداء على الإعلاميين هو تصرف شخصي من قبل بعض الشبان لا علاقة لحزب الله به.
وتؤكد مخايل لـ"الشرق الأوسط" أن الإعلام اللبناني يلعب دوره في هذه الحرب، رغم كل المخاطر والصعوبات المتعلقة بالتغطية الإعلامية، وبالوصول إلى المعلومات، خاصة أن الإعلاميين يعملون في ظروف خطرة جداً؛ لذا المطلوب حمايتهم وحماية عملهم، وليس التهجم عليهم وتخوينهم، مؤكدة: في مثل هذه الأوقات مطلوب الفكر النقدي، ومطلوب حماية مساحة الانتقاد والاختلاف في الرأي.
وترى أنه من غير المقبول أن يطلب من الجميع أن يتبنوا الرأي الواحد، وأن يخضعوا للإملاءات تحت أي حجة، أو أن يتم تخوينهم، كما يحصل اليوم عند انتقاد التفرد بقرار الحرب المدمرة وفتح جبهة لبنان.
وفيما تشير إلى تكرار حوادث الاعتداء على الصحافيين نتيجة خطاب الكراهية والتحريض والتي كان آخرها ما حصل مع مملوك، تشدد على أن الخطاب التخويني للآخر وغير المنضبط تحت سقف خطاب (حزب الله) غير مبرر، ويعطي غطاء للاعتداءات على الصحافيين ويحرض عليهم.