بعد الكهرباء لا اتصالات. كلما اعتقد اللبنانيون أنهم وصلوا إلى قعر اكتشفوا قعراً تحته. أمس، عاش البلد بلا اتصالات لأن هناك سلطة باتت مقتنعة بنظرية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بأن «الناس بيتعوّدوا». وكما «تعوّدوا» على السطو على ودائعهم، وعلى العيش بلا كهرباء، لن يكون صعباً عليهم أن «يتعوّدوا» على العيش بلا اتصالات، وربما أن «يتعوّدوا» أيضاً على العودة إلى استخدام الحمام الزاجل.
الإضراب المفتوح لموظفي هيئة «أوجيرو» منذ الثلاثاء لا تلوح له نهاية مع رفضهم عقب لقائهم أمس وزير الاتصالات جوني قرم فكّ الإضراب قبل تحقيق مطالبهم، فيما عانى اللبنانيون والمقيمون من انقطاع التواصل مع شلّ العمل في عدد كبير من السنترالات وتوقف الاتصالات الخليوية والأرضية وخدمة الإنترنت وأعمال الصيانة، وأدت، بحسب المعلومات، إلى تعطيل جزئي لمركز التنصّت التابع للفرع الفني في مخابرات الجيش.
وبعد الاجتماع الذي عقد قبل يومين ولوّح فيه قرم بالاستعانة بالجيش لفتح السنترالات، تلقت نقابة «أوجيرو» دعوة إلى اجتماع بعد ظهر أمس امتد أربع ساعات، وانتهى بإقرار قرم، الذي التقى ميقاتي قبل ذلك في السراي، بأن اقتراح الموظفين لتصحيح أجورهم «ليس مستعصياً»، رامياً الكرة في ملعب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، مكتفياً بالإشارة إلى أن الأزمة تكمن في «قوانين مرعية لم تُنفّذ». إشارته هذه تعني أنه ما زال يتمسّك بموقفه السابق عن التعديل في الإنفاق المناط بمجلسي الوزراء والنواب، سواء عبر إقراره في موازنة أو عبر موافقة استثنائية من ميقاتي، وأنه لا صلاحيات لوزير الاتصالات منفرداً.
في الجلسة الأولى مع نقابة موظفي أوجيرو أول من أمس. نوقشت مطالب الموظفين انطلاقاً من دراسة أعدتها إدارة «أوجيرو» حول رفع رواتب الموظفين ضعفين ونصف ضعف، أي نسبة الزيادة نفسها التي اعتمدت لزيادة تعرفة الاتصالات. وبحسب مصادر الموظفين فإن «هذا الحد الأدنى الذي يمكن القبول به، لتسيير الأوضاع، بخاصة أن المعدل الوسطي للأجور لا يتعدى الـ5 ملايين ليرة». ومع تهديد الوزير بالاستعانة بالجيش لفتح السنترالات بالقوة، انتهى الاجتماع بتعقيد الأزمة. علماً أن الموظفين يقارنون بين أوضاعهم وأوضاع موظفي شركتي الخليوي «ألفا» و«تاتش» الذين حصلوا على زيادة بعد مفاوضات مع الوزير كان محورها إعطاؤهم نسبة من رواتبهم بالدولار النقدي، فضلاً عن أنهم يتقاضون هذه الرواتب بالدولار المصرفي الذي يمكن سحبه من المصارف على سعر 8000 آلاف ليرة مقابل كل دولار «فيما نحن لم نشهد أي تصحيح منذ بداية الانهيار».
الاجتماع انتهى بوعد أن يسعى الوزير مع ميقاتي ووزير المال يوسف الخليل لتأمين الاعتمادات اللازمة لتصحيح الأجور وزيادتها وتحسين التقديمات الاجتماعية (تعويضات المدارس...). لكن الاقتناع بأن وعود ميقاتي لا تطبّق، دفع النقابة إلى تأكيد استمرار الإضراب إلى حين تأمين الاعتمادات الموعودة. فيما أكّد المدير العام لهيئة «أوجيرو» عماد كريدية، لـ«الأخبار» بـ«أنني لا أسمح لأحد أن يأخذ المواطن والمُشترك رهينة، ولو كانت مطالب الموظفين محقّة. سنسعى للوصول مع النقابة إلى حلول وسط، مع الأخذ في الاعتبار أن الحكومة غير قادرة على إفساح المجال لمطالب كهذه ستجر بعدها حتماً قضايا مطلبية أخرى وكثيرة للقطاع العام في ظل الوضع الصعب».
ندى أيوب - الأخبار