بعد سنوات من العداء والقطيعة، تشهد المنطقة تغييرات في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بين السعودية وإيران، أبرز أقطابها الأكثر تنافسا وتنافرا، مما يطرح تساؤلات بشأن طبيعة "التقارب" بينهما، وما إذا كان سينهي "حروب الوكالة" التي شهدها الشرق الأوسط على مدار سنوات.
التقارب الذي توسطت من أجله الصين جاء في ظروف جيوسياسية متوترة، قبيل بدء عهد إدارة أميركية جديدة تعهدت بتحقيق السلام في المنطقة، وسط تساؤلات حول موقع طهران في المعادلة.
ما بين "التقارب" و"الاحتواء الاستراتيجي"
الخبير العسكري والسياسي السعودي، محمد بن صالح الحربي، تحدث عن مسار المفاوضات بين طهران والرياض لأشهر، التي احتضتنها عدة عواصم عربية، والذي انتهى بوساطة وضمانة صينية.
ويرجح أن يشهد تنفيذ الاتفاقية التي وقعت في آذار/ مارس من 2023 تسارعا خلال الفترة المقبلة، والتي يتوقع أن تفضي إلى نوع من "التقارب والاحتواء الاستراتيجي"، مشيرا إلى أهميته في هذه المرحلة التي تعيشها المنطقة.
مع إعلان فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، ووسط الحرب الدائرة في غزة والتي امتدت إلى لبنان وطالت إيران أيضًا، واصلت الرياض إشاراتها إلى توطيد العلاقة مع طهران وزار رئيس أركان الجيش السعودي إيران خلال الأيام الماضية في زيارة نادرة.
وذكر الحربي أنه من بعد توقيع الاتفاقية شهدنا أثرها حتى على "أذرع إيران الإرهابية" في المنطقة، إذ رأينا "خفوتها" من خلال الأحداث المتلاحقة، ناهيك عن أن طهران في "وضع اقتصادي مضغوط جدا".
هل تثق الرياض بطهران؟
يرى الخبير السياسي، الحربي أنه وسط التغييرات التي يشهدها النظام العالمي، يحتاج الجميع إلى إعادة تقييم العلاقات البينية، مشيرا إلى أن هناك ضمانة صينية يمكن للرياض التعويل عليها للوثوق بطهران، منوها إلى أن بكين هي الشريك التجاري الأول لكل منهما.
ويعتقد أن إيران الآن "لا يوجد لديها خيارات مع الضربات الإسرائيلية على أذرعها، وتهاوي ذراعها الرئيسي حزب الله، في ضربات قاتلة، ولهذا إيران تحتاج لتعود وتصبح لاعبا رئيسيا في المنطقة" خاصة في ظل ترقب الإدارة الأميركية الجديدة.
وأكد الحربي أن الجميع في المنطقة "يترقب المشهد"، وحتى الآن إيران ملتزمة بجميع بنود الاتفاق مع السعودية.
التطبيع مع إسرائيل
يؤكد الخبير السياسي الحربي أن السعودية أكدت في تصريحاتها على جميع المستويات، أنه لا تطبيع مع إسرائيل من دول "حل الدولتين".
وأشار إلى أن السعودية وقيادتها أصبحت "محورية" في المنطقة والعالم، حيث يقود ولي العهد المملكة إلى "تنمية مستدامة".
وقال إن الرياض تمارس العديد من الضغوط الدولية من أجل الدفع بتهدئة ما يحصل في المنطقة، مشيرا إلى حالة من الترقب للإدارة الأميركية المقبلة.
ويعتقد الحربي أن إيران أيضا في الظرف الحالي قد تكون "مهيأة لوقف حروبها" إذ لم تحقق سوى "الدمار".
في الانتظار
مدير مركز الدراسات العربية الإيرانية في لندن، علي نوري زاده يرى أن "النظام الإيراني استفاد كثيرا من المصالحة مع السعودية، بينما لا تزال الحرب في اليمن قائمة، والحوثي يواصل أعماله في المنطقة، ناهيك عن عدم تقديم طهران لأي تنازلات في لبنان أو غزة".
ويعتقد أن هذا ما يجعل الرياض حتى الآن "لا تثق بنوايا إيران"، وهو ما قد يدفعها إلى أن تبقى متأهبة لـ "مزيد من الوقت" للتأكد من ذلك.
وذكر زاده أن العلاقات السعودية الإيراني في مراحل معينة كانت "متميزة" لكن الوضع تغير، ولهذا تريد السعودية "الانتظار" للتأكد من أن ما يوجد على الورق في الاتفاقية سيصبح واقعا.
ويؤكد أن الملف اللبناني، قد يكون الأول الذي تنتظر السعودية ودول الخليج تحقيق تقدم فيه من قبل الجانب الإيراني، بخروج طهران من المشهد هناك، مشيرا إلى أنه قبل التدخلات الإيرانية "كانت لبنان بلد حريات وسياحة، والآن هي من أفقر الدول".
الضمانات الإيرانية
ويرى زاده أن أول شيء على إيران أن تفعله لتعزيز الضمانات بعلاقاتها مع السعودية ودول المنطقة "بأن تتوقف طهران عن التدخل في شؤون الدول العربية".
وقال "هناك مصالح إقليمية لإيران" ومثلما "لا تريد طهران قيادة معادية لها في العراق، أيضا السعودية لا تريد قيادة معادية لها في اليمن".
وفي المقابل يؤكد زاده أن السعودية يمكنها أن تضغط على الإمارات بخصوص موضوع "الجزر الإيرانية" في إشارة إلى جزر طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وجزيرة أبو موسى، مشددا أنها "جزر إيرانية منذ أبد الأبد".
الموقف الأميركي من التقارب
المحلل السياسي، نبيل ميخائيل المقيم واشنطن قال إن الولايات المتحدة "ملتزمة بالدفاع عن منطقة الخليج"، وأي اعتداء على المنطقة يمثل اعتداء على المصالح الأميركية.
وزاد أن الإدارات الأميركية على اختلافها تلتزم بالدفاع عن المنطقة، مع "اختلاف الأسلوب".
وأشار ميخائيل إلى وجود تيارين في واشنطن والموقف تجاه إيران، إذ يوجد من يريد التعامل بحزم معها وتطبيق "أقصى العقوبات"، ومن يريد التهدئة معها لدفعها إلى التعاون والتهدئة وحل بعض الصراعات الإقليمية.
ويعتقد أن التعاون السعودي الإيراني سيستمر ولن يؤثر على العلاقات الأميركية الخليجية، مشيرا إلى أن الإدارة المقبلة "قد تبرم صفقات تسلح كبيرة" مع هذه الدول.
ويؤكد أن ما يقلق واشنطن في هذا التقارب، أنه تم بوساطة صينية، وهو ما قد يدفع واشنطن لإرسال رسائل تحذيرية من السياسات الصينية الاقتصادية التي قد تستهدف إغراق اقتصادات المنطقة.