أصدرت جامعة الدول العربية، مساء السبت، بيانا يتعلق بالمستجدات الأخيرة التي تشهدها سوريا بعد هجوم فصائل مسلحة على عدة مناطق في شمال البلاد.
وقالت الجامعة العربية في بيان: "تتابع جامعة الدول العربية بقلق بالغ التطورات الميدانية في سوريا، وتؤكد على ضرورة احترام وحدة وسيادة وسلامة أراضي الجمهورية العربية السورية".
وأعرب البيان عن انزعاج الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط "إزاء التطورات المتلاحقة التي تشهدها البلاد منذ عدة أيام وتأثيراتها على المدنيين، والتي تفتح احتمالات عديدة من بينها حدوث فوضى تستغلها الجماعات الإرهابية لاستئناف أنشطتها".
وأكد البيان "التزام الأمانة العامة للجامعة العربية بجميع عناصر الموقف السياسي من الوضع في سوريا على النحو الوارد في قرارات مجلس الجامعة بمختلف مستوياته".
تنذر التطوّرات الميدانية المفاجئة التي بدأت فجر الأربعاء الماضي من مدينة حلب السورية الواقعة شمال سوريا، وامتدت إلى حماة في وسطها عقب دخول "هيئة تحرير الشام" برفقة فصائل مسلّحة إلى المدينتين، بواقعٍ جديد في البلاد لاسيما في حلب التي كانت تخضع بالكامل لسيطرة القوات الحكومية السورية منذ أن خسرتها الفصائل المعارضة عام 2016.
فما الذي جرى وما هو موقف القوى الضامنة مما يجري لاسيما تركيا وروسيا؟
رغم أن الجيش السوري أعلن أن انسحابه من حلب كان بغرض التحضير لهجومٍ مضاد، لكن "الهيئة" وحلفاءها تمكنوا بعد السيطرة على حلب من دخول عدد من البلدات في ريف حماة، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ما أدى إلى مقتل 327 شخصاً معظمهم من الطرفين المتحاربين علاوة على مدنيين منذ بدء الاشتباكات بين الجانبين يوم الأربعاء الماضي.
"فرصة استثنائية لتركيا"
وفي السياق، رأى المحلل السياسي السوري غسان إبراهيم أن "ما يحدث حقيقة هو أن الجانب التركي التقط فرصة استثنائية من تغيّر القوى الجيوسياسية في المنطقة، مدركاً أن الإسرائيلي أضعفَ الإيراني في لبنان وفي غزة وأصبحت الميليشيات المحسوبة على إيران ضعيفة جداً، ومعلوم أن من يحيط بحلب وخصوصاً ريفها وخط التماس، هي في أغلبها ميليشيات من حزب الله والحرس الثوري، وغيرها، فبالتالي المخطط التركي تغيّر بدلاً من الهجوم نحو مناطق الأكثرية الكردية، إلى إبعاد الإيراني من تلك المنطقة".
كما رجح في تصريحات لـ "العربية.نت"/الحدث.نت " ألا يقوم الجانب التركي على الأغلب بمثل هذا العمل دون أن يخبر الروسي"
واعتبر أن الروس قد أرادوا ربما عبر تلك التطورات الضغط على إيران وعلى الحكومة السورية، من أجل تطبيع العلاقات التركية-السورية.
كذلك أشار إلى أن "أنقرة تفضل بطبيعة الحال أن يصبح الشمال الغربي خالياً من النفوذ الإيراني ويقتصر فقط على القدرة الجوية الروسية، والنفوذ التركي وحلفائها في المنطقة هناك، للتمهيد إلى تطبيع العلاقات وإلى نوع من التفاهمات بين القوى المعارضة هناك، بما فيها الجماعات المحسوبة على تركيا، والطرف السوري".
لذلك رأى أن "هذه العملية هي هجوم تركي-إيراني متبادل، يستخدم كل طرف فيه أدواته".
اللعب على الوتر القومي
وتابع المحلل السوري المختص بالشؤون التركية قائلا إن "تركيا قد تذهب إلى أبعد من ذلك بعد السيطرة الكلية على مدينة حلب، وربما بعد ذلك تطويق بعض الجيوب الكردية في المدينة وفي بلدة تل رفعت وإلى ما هنالك، ومن هذا المنطلق، سوف تبيع الحكومة التركية الموضوع إلى شعبها، على أنه عملية ضد من تسميهم (الانفصاليين)"،.
كما أوضح أن "أنقرة تستغل الفراغ في البيت الأبيض الأميركي". وقال "خلال هذه المرحلة يمكن للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يقتنص الفرصة قبل وصول نظيره دونالد ترمب، وبالتالي يقدم المشهد لترامب بعد وصوله على أن الشمال السوري يجب أن يكون بيد تركيا، وأن بإمكانها أن تنوب عن الجيش الأميركي إذا رغب بالانسحاب من هناك، وطبعاً هذا الشيء قد يكون مؤلماً لقوات سوريا الديمقراطية لأنها عانت من إدارة ترامب سابقاً. ". وأردف "هذا سيعطي تركيا للأسف تحويل شمال سوريا إلى الشمال التركي، كما فعلوا في قبرص عندما أعلنوا عن قيام قبرص التركية، وربما نشهد سوريا التركية، وهذا سيضع عبئاً على السوريين على المدى البعيد".
حلب مهمة للكرملين
أما فيما يتعلق بموقف روسيا التي تدعم الحكومة السورية مما يجري في حلب وحماة، فقد شددت المحللة السياسية الروسية لانا بادفان على أن "حلب من منظور استراتيجي، تُعتبر نقطة محورية في الصراع السوري، كما أنها المركز الأساسي للاقتصاد في البلاد ، وتشكل أهمية خاصة بالنسبة للكرملين في سياق سعيه للحفاظ على وجود الدولة السورية في مواجهة التحديات المتزايدة من الفصائل المسلحة والمعارضة." وأكدت أن روسيا "تدرك أن استعادة الاستقرار في البلاد و خاصة في حلب تمثل خطوة نحو تحقيق استقرار أكبر نحو حل سياسي يرضي الأطراف، وبالتالي تعزيز موقفها كمحور قوة في الشرق الأوسط".
كما أضافت بادفان لـ "العربية.نت"/ الحدث.نت أن "روسيا تمتلك مجموعة من الأدوات التي تمكنها من دعم الرئيس السوري، بشار الأسد، تشمل القوة العسكرية، التي تظهر في شكل غارات جوية ودعم لوجستي، إضافة إلى الدعم الدبلوماسي في المحافل الدولية".
إلا أنها أردفت متسائلة: "مع ذلك، يبقى السؤال إلى أي مدى يمكن لموسكو أن تضمن عدم تآكل هذه السيطرة بسبب التدخلات الخارجية أو التحالفات المتغيرة في المنطقة؟ و لربما هناك تفاهمات عميقة وغير واضحة لهذه اللحظة، بين مختلف الأطراف ومن بينها موسكو للسعي نحو إنهاء الأزمة السورية".
وتابعت موضحة أن "موسكو تتعامل بهدوء حذر مع حلفائها وتراقب في الوقت نفسه تحركات تركيا والولايات المتحدة.، وبالتالي، فإن تحقيق توازن القوى هو اللغز الذي يسعى الجانب الروسي لحله. وقالت "على سبيل المثال، العلاقات المتوترة بين روسيا والغرب، ووجود قوات أميركية في المنطقة، كلها عوامل تلعب دورًا في كيفية تطور الصراع و آلية الدعم المقدم للدولة السورية".
إلى ذلك، أشارت إلى أن "تركيا تمثل معضلة استراتيجية بالنسبة لروسيا. إذ تدعم الفصائل المعارضة في شمال سوريا، ما يخلق تحديًا مباشرًا للحكومة السورية. وهنا يظهر الصراع المزدوج؛ فبينما تسعى روسيا لدعم الأسد، يتعين عليها أيضاً التعامل مع الطموحات التركية التي قد تؤدي إلى تصعيد الصراع، ويمكن أن يُفهم الموقف التركي كجزء من لعبة أكبر تتعلق بتوازن القوى الإقليمي، حيث تسعى أنقرة إلى تحقيق أهدافها الخاصة، مثل منع إقامة كيان كردي قوي على حدودها".
من جهتها، اعتبرت المحللة والباحثة الأميركية كارولين روز أن الأساس بالنسبة إلى الولايات المتحدة هو "الحفاظ على أمن واستقرار شمال سوريا".
وقالت كبيرة الباحثين في معهد "نيولاينز الأميركي" لـ "العربية.نت/الحدث.نت" إن "المفتاح بالنسبة إلى واشنطن هو أمن واستقرار الشمال السوري، حيث تتواجد 90% من قواتها العسكرية على الأرض، بما في ذلك القواعد العسكرية في مناطق قوات سوريا الديمقراطية. والسؤال الآن هل ستتقدم الفصائل إلى الشمال الشرقي لتحدث فوضى أمنية هناك؟".
كما أضافت أن "تركيا قد تحاول طرح شروطها والتأثير على النظام السوري للوصول إلى نقاط يمكن الاتفاق عليها. وقد تشن هجوماً أيضا، وهذا سيدفع القوات الأميركية للتحرك". وأردفت قائلة إن "الولايات المتحدة تراقب ما يحصل على الأرض باهتمام وحذر خاصة فيما يتعلق بقسد، وأعتقد أنها ستنتظر التفاوض مع تركيا لأن القوات على الأرض توسع نطاقها بعدما وصلت إلى حماة عقب انسحاب قوات الأسد منها ومن غيرها من المناطق في حلب".
إلى ذلك، أوضحت أن لدى "قسد وجودا قويا وستحاول بالتالي الحفاظ على أمن مناطقها مهما بلغ حجم الهجوم التركي المرتقب. وقد يكون لدى هذه القوات إجراءات خاصة وبالطبع من المحتمل أن يكون لها دور في حلب، وبناء خطوط اتصالات وصلات مع المعارضة والدخول في اللعبة، مع الأخذ بعين الاعتبار ما تخطط له تركيا بشأن الهجوم على مناطقها في الشمال الشرقي".
يشار إلى أن "هيئة تحرير الشام" كانت أعلنت مساء أمس السبت أنها سيطرت على عدة مناطق بريف حماة، مضيفة أنها توسّع حالياً سيطرتها في ريف حماة الشمالي، بعد السيطرة على حلب، وبدء التوسع في ريف إدلب أيضا.