إلى قادة الخليج في بيتهم الكويتي

أجمل عبارات الترحيب بقادة دول الخليج العربية في قمّتهم وتلاقيهم وتواصلهم، وهم، واقعياً، في بيتهم الكويتي ونحن الضيوف لديهم.

كلّ القمم الخليجية أضافت للعمل المُشترك ولم تأخذ منه... التي كان التوافق فيها عالي المستوى وتلك التي شهدت تباينات واختلافات طبيعيّة في وجهات النظر، كانت إرادة الخليجيين كشعب في التمسّك بكيانهم دائماً نصب عين القادة، وكانت مصالح الخليجيين كشعب هي البوصلة التي حدّدت مسارات التحرّك والمواقف، وكان مُستقبل الخليجيين كشعب هو الهاجس الأول الذي تجاوز الكثير من المطبّات أمام العمل المُشترك.

اليوم، دول الخليج مُتوافقة مُتضامنة حول غالبية الأمور، سواء تعلّق الأمر بالعلاقات الثنائية أو بالموقف من التطورات الإقليمية. ومن يقرأ بتمعّن مثلاً البيانات المُشتركة التي صدرت عقب زيارة صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد إلى الدول الخليجية الخمس والمحادثات مع قادتها يتوصّل إلى حقيقة مفادها أن هذه البيانات تشابهت إلى درجة التطابق أحياناً ما يعكس انسجاماً غير مسبوق حول مُختلف الأمور الراهنة.

السادة قادة دول الخليج في بيتكم الكويتي

في القمة التي عقدت في الكويت عام 2009، وقف على المسرح طفل كويتي وتمنّى باسم الجيل الذي يُمثّله أن يعلن القادة كلّ سنة الاتفاق على مشروع واحد فقط كبير وليس أكثر يتعلّق طبعاً بالتنمية المشتركة. كَبُر هذا الجيل وتغيّر القادة واستمرّ الحاضرون على نهج أسلافهم بما يتعلّق بالحفاظ على كيان مجلس التعاون... ولو تحقّق هذا الأمر من 15 سنة لكان لدينا 15 مشروعاً تنموياً عملاقاً مشتركاً يصبّ مباشرة في مصلحة دول الخليج وتقاربها ورخاء شعوبها.

اليوم، نحن هنا، ومن هنا إلى الأمام. كمواطن كويتي خليجي لا مصلحة لي ولا كيان خارج منظومة مجلس التعاون أتمنّى من قمة الخليج في دورتها المُنعقدة في الكويت، أن تأتي في نقاشاتها على الموضوع السياسي وخصوصاً التطوّرات الإقليمية التي لا يمكن إلا أن تصيب المنطقة، ناراً أو دخاناً، وأن تراجع بنود التعاون والاتفاقات التي حصلت في هذا المجال للوقوف عند ما أنجز وما تأخّر إنجازه... ولكن التمنّي الأكبر هو أن تجتمع إرادة القادة على بدء تصميم الآليات الكفيلة بتحويل مجلس التعاون الخليجي إلى كيان شبيه بالاتحاد الأوروبي الذي أعتبره واحداً من أنجح الكيانات الاتحادية على المستوى العالمي.

الاتحاد الأوروبي يتألف من 27 دولة ونحن 6 دول فقط.

دول الاتحاد الأوروبي تتحدّث 24 لغة ونحن لغتنا واحدة.

دول الاتحاد الأوروبي خاضت في دواخلها أهليّاً وبين بعضها أكثر من 120 حرباً عبر التاريخ حصدت عشرات الملايين من الضحايا ودمّرت آلاف المدن والقرى، ودول مجلس التعاون الخليجي أكبر خلاف بينها كان في المجالات السياسية والاقتصادية وعندما اضطرت لاستخدام القوة العسكرية كان ذلك دفاعاً عن دولة شقيقة لها هي وطني الكويت الذي يستضيف القمة الحالية.

دول الاتحاد الأوروبي استوعبت خصوصيّات بعض الدول المنضوية معها وحافظت على تمايزاتها بما في ذلك شكل العملة... ونحن خصوصياتنا مُتقاربة إلى حدّ التشابه.

دول الاتحاد الأوروبي تمتدّ أسواقها حرفيّاً على امتداد قارّي ونحن أسواقنا متلاصقة وقد لا تُشكّل كلّها حجم سوق دولة واحدة في الاتحاد.

دول الاتحاد الأوروبي تتمايز كثيراً اجتماعياً في العادات والتقاليد ولها رؤى مُتضاربة مُتناقضة بالنسبة لمُختلف القضايا الأوروبية والدولية ونحن ننتمي إلى جذور واحدة في التاريخ ورؤانا مُتشابهة مُتوافقة بالنسبة لمُختلف القضايا.

كل ما ذكرناه عن الاتحاد الأوروبي تراجع لمصلحة تقدّم العنصر الأساس وهو التنمية وتعزيز حاضر الناس وتأمين مُستقبل أفضل لهم... وهذا العنصر استوعب كلّ الخلافات والتمايزات وتاريخ الحروب والصراعات وتعدّد شخصياتها الاجتماعية واللغوية وحقّق أفضل تجربة اتحادية في العصر الحديث.

المجلس الخليجي إذا اقتدى بالتجربة الأوروبية وطوّر آليات الانتقال من التعاون إلى الاتحاد فإنه عملياً يُحقّق قفزة تاريخيّة لمصلحة شعوب دول المجلس التوّاقة إلى تثبيت أسس هذا الكيان على أكبر قاعدة صلبة هي قاعدة الاقتصاد والمصالح والتنمية التي تُشكّل مِظلّة حامية لأيّ تباين سياسي أو اختلافات في وجهات النظر حول هذه القضية أو تلك.

لنتخيّل أن الأسواق الخليجية صارت سوقاً واحدة، وأن مشاريع التنمية من صناعة وزراعة وخدمات وقطاعات التكنولوجيا المتقدمة والعمران بكل صوره وغيرها صارت عملية مُشتركة مُنسّقة مُوزّعة على امتداد هذه السوق، وأن مواطني دول الخليج يعملون ضمن هذه الأطر حيثما تواجدت وكأنّهم يعملون في دولهم. تخيّلوا أن القوانين تتقارب تدريجيّاً لتنظيم مشترك للقطاعات الاستثمارية والمالية ومجالات العمل في كل دول الخليج... وتخيّلوا الاتحاد الخليجي سوراً عالياً في زمن الشهيّة المفتوحة للتكتّلات الكبرى في العالم تجاه مناطقنا وثرواتنا.

قادة الخليج في البيت الكويتي

هو حلم يتمنّاه كلّ مواطن في أيّ دولة من دولنا الست... ومن الأقدر على تحقيق الأحلام سوى أصحاب الرؤى الكبيرة؟

الراي

يقرأون الآن