يدخل مسار مفاوضات وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن في غزة منعطفا جديدا مع اقتراب موعد تغيير الإدارة الأميركية في يناير المقبل. فبينما يلوح الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، بتصعيد كبير في المنطقة إذا لم يتم حل قضية الرهائن قبل تنصيبه، تكثف إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، جهودها الدبلوماسية عبر وسطاء إقليميين للتوصل إلى اتفاق.
وتتباين المواقف بشأن إمكانية نجاح المفاوضات بين تأكيد مسؤولين أميركيين وجود فرص حقيقية للتوصل إلى اتفاق، وإشارة مصادر إسرائيلية إلى تقدم محدود رغم استمرار العقبات الرئيسية، في وقت تتسارع فيه الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق اختراق.
وتثار تساؤلات بشأن إمكانية نجاح المساعي الدبلوماسية في كسر جمود المفاوضات، قبل التغييرات المرتقبة في البيت الأبيض.
إحياء الجهود وتهديدات ترامب
وأعلنت الإدارة الأميركية، الأسبوع الماضي، أنها ستعاود إحياء الجهود بالتعاون مع قطر ومصر وتركيا للتفاوض على وقف إطلاق النار في القطاع، والذي من شأنه أن يشمل صفقة رهائن.
وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، إنه يعتقد بأن فرص وقف إطلاق النار والاتفاق على إطلاق سراح الرهائن في غزة أصبحت الآن أكثر ترجيحا، مشيرا إلى أن "حماس معزولة، حزب الله لم يعد يقاتل معهم، وداعموهم في إيران وأماكن أخرى مشغولون بصراعات أخرى".
وبذلت إدارة بايدن جهودا دبلوماسية شاقة، غير أنها فشلت حتى الآن في تأمين اتفاق من شأنه إنهاء حرب إسرائيل في غزة وتحرير الرهائن الذين احتُجزوا قبل 14 شهرا.
من جهته، قال ترامب إنه إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن في غزة قبل تنصيبه يوم 20 يناير المقبل، فسيكون هناك "جحيم" في الشرق الأوسط.
وكتب ترامب على منصته "تروث سوشل"، "إذا لم يطلق سراح الرهائن قبل 20 يناير 2025، وهو التاريخ الذي أتولّى فيه بفخر منصب رئيس الولايات المتحدة، فإن الثمن الذي سيدفع في الشرق الأوسط سيكون باهظا، وكذلك بالنسبة إلى المسؤولين الذين ارتكبوا تلك الفظائع ضد الإنسانية".
وأكد أنّ "هؤلاء المسؤولين عن هذا الحادث سيلحق بهم ضرر أكبر من أي ضرر لحق بأي شخص آخر في تاريخ الولايات المتحدة الطويل والحافل. أطلقوا سراح الرهائن الآن!".
وجاء تصريح ترامب، بعد ساعات من إعلان الجيش الإسرائيلي وفاة الرهينة الأميركي الإسرائيلي، عومر نويترا، خلال هجوم 7 أكتوبر ونقل جثمانه إلى غزة.
كما سبق أن نشرت حماس مقطع فيديو للرهينة الأميركي، عيدان ألكسندر، يناشد فيه ترامب التفاوض لإطلاق سراحه.
وكانت حماس، أعلنت -مساء أمس الاثنين- أن 33 رهينة إسرائيلية لديها قُتلوا منذ أكتوبر 2023.
وأصدر الرئيس بايدن تعازيه لعائلة نويترا، متعهداً بمواصلة العمل لإعادة الرهائن.
وطالب والدا عومر نويترا الحكومة الإسرائيلية بالعمل مع الرئيس بايدن والرئيس المنتخب ترامب لاستخدام كل نفوذهما لإعادة جميع الرهائن البالغ عددهم 101، أحياءً وموتى، إلى عائلاتهم في أقرب وقت ممكن.
تقدم محدود
وكشفت مصادر إسرائيلية عن وجود تقدم محدود في ملف الرهائن، رغم استمرار العقبات الرئيسية.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر مطلع، تأكيده إحراز تقدم في مفاوضات تبادل الرهائن، مع الإشارة إلى أن إسرائيل لا تزال غير متفائلة بشكل كبير.
وأوضح المصدر أن الخلاف الرئيسي يتمثل في إصرار حماس على وقف الحرب، إضافة إلى معارضة بعض الوزراء الإسرائيليين للجوانب السياسية في المفاوضات.
وفي السياق ذاته، أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن قيادات عسكرية إسرائيلية ترى أن الظروف باتت مؤاتية لإتمام صفقة مع حماس، خاصة في ظل التطورات الإقليمية وقرب تغيير الإدارة الأميركية.
وأكد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أن استعادة المحتجزين تمثل أولوية قصوى لإسرائيل.
كما أكد الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، الأحد، أن الوقت مناسب لإبرام صفقة تحرير الرهائن الإسرائيليين في غزة.
وقال هرتسوغ "أكرر دعوتي للقيادة الإسرائيلية والوسطاء والعالم أن هذا هو الوقت المناسب لإبرام صفقة رهائن".
المحلل السياسي الفلسطيني، أشرف العكة، يعرب عن تفاؤله بإمكانية حدوث اختراق في المفاوضات الجارية.
وقال العكة في تصريح لموقع الحرة: "أعتقد أنه قد يحدث اختراق جدي وحقيقي خلال الأيام والساعات القادمة"، معتبرا أن "تصريح ترامب يمكن أن يؤخذ للطرفين ليس فقط للفلسطينيين أو للعرب وإنما حتى للإسرائيليين".
ويشير العكة إلى وجود حراك دبلوماسي نشط في المنطقة، موضحاً: "هناك ضغط جدي وحراك سياسي دبلوماسي يتواصل خلال الأيام الماضية بهدف الوصول إلى صفقة، ويبدو أن هناك تفاهمات".
والمشهد الإقليمي، حسب العكة، يشهد دينامية دبلوماسية متزايدة عبر قنوات متعددة، حيث تنشط السعودية وتركيا في مساعي الوساطة، إلى جانب الدور المصري المحوري، مع مشاركة قطرية بدرجة أقل، مما قد يؤدي للتوصل إلى صفقة.
وتقود مصر مع قطر والولايات المتحدة وساطة بين إسرائيل وحماس من أجل التوصل إلى هدنة في قطاع غزة، لكن كل المحاولات باءت بالفشل حتى الآن. وأعلنت الدوحة في نوفمبر تعليق وساطتها إلى حين "توافر الجدّية اللازمة" من الطرفين في المفاوضات.
وتتزامن هذه التحركات الدبلوماسية، وفقا للعكة مع تحركات من الإدارة الأميركية الحالية، في مسعى متسارع للتوصل إلى صفقة شاملة في الأسابيع الأخيرة من ولايتها.
وعلى المستوى الفلسطيني الداخلي، يكشف العكة عن تطور يصفه بـ"الإيجابي يتمثل في حوار فلسطيني برعاية مصرية، أسفر عن تشكيل "لجنة الإسناد المجتمعي"، التي تم تحديد مهامها وصلاحياتها ضمن أطر قانونية وإدارية ووطنية واضحة.
أما على الجانب الإسرائيلي، فيرى المحلل الفلسطيني، أن هناك ضغوط متزايدة على الحكومة، مؤكدا أن هذه العوامل توفر فرصة حقيقية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في المدى القريب، حتى وإن لم يصل إلى حد الإعلان الرسمي عن نهاية الحرب.
ويشير العكة، إلى أن أي خطوة نحو التهدئة، مهما كان حجمها، ستشكل بداية لمرحلة من الاستقرار تشمل المنطقة بأسرها.
وفي السابع من أكتوبر 2023، شنّت حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة والمصنفة منظمة إرهابية في الولايات المتحدة، هجوما غير مسبوق على إسرائيل، أسفر عن مقتل 1208 أشخاص، معظمهم من المدنيين، وفقا لتعداد أجرته وكالة فرانس برس بالاستناد إلى بيانات رسمية إسرائيلية.
وخطِف أثناء الهجوم 251 شخصا لا يزال 97 منهم محتجزين في القطاع، بينهم 35 شخصا أعلن الجيش الإسرائيلي أنهم قتلوا.
وتنفّذ إسرائيل منذ ذلك الوقت ردا على الهجوم قصفا مدمرا وعمليات عسكرية في القطاع تسببت بمقتل أكثر من 44 ألف شخص في غزة غالبيتهم مدنيون من النساء والأطفال، وفق أرقام وزارة الصحة التي تديرها حماس وتعتبرها الأمم المتحدة ذات صدقية.
"لم نصل إلى ذلك بعد"
وأعلن مستشار الأمن القومي الأميركي لوسائل الإعلام، أن البيت الأبيض يعمل على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن في غزة، لكنه "لم يصل إلى ذلك بعد"، رغم الأجواء الإيجابية بعد الهدنة في لبنان.
وقال جيك سوليفان "نحن نبذل جهودا حثيثة لمحاولة تحقيق ذلك. إننا منخرطون بشكل كبير مع الفاعلين الرئيسيين في المنطقة، وهناك عمل يُبذل حتى اليوم".
وأضاف "ستكون هناك محادثات ومشاورات أخرى، ونأمل أن نتمكن من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، لكننا لم نصل إلى ذلك بعد".
في هذا السياق، يرى المحلل الإسرائيلي، يوآب شتيرن، أن الوضع الإقليمي يمر بمرحلة دقيقة، مشيرا إلى أن هناك تطورات متسارعة في المنطقة لكنها "لا تذهب تجاه إبرام صفقة في غزة".
وفيما يتعلق بتصريحات الرئيس المنتخب، يعتقد شتيرن أن مثل هذه التصريحات "لن تؤثر على موقف حركة حماس، التي تعتبر نفسها بمنأى عن تأثير القرارات الأميركية".
ويضيف شتيرن أنه إذا كانت معاناة الشعب الفلسطيني في غزة لم تؤثر على موقف حماس، فمن المستبعد أن تؤثر تصريحات ترامب على مواقفها.
ومنذ اندلاع الحرب، تم التوصل إلى هدنة وحيدة في نوفمبر 2023 استمرت أسبوعا، وأتاحت إطلاق رهائن كانوا محتجزين في القطاع مقابل معتقلين فلسطينيين لدى إسرائيل.
وقادت الولايات المتحدة مع قطر ومصر وساطة بين إسرائيل وحماس، لكن هذه الجهود لم تثمر عن هدنة أخرى.
ويرى شتيرن أن الخلاف الجوهري لفشل المفاوضات لا يزال قائماً، ويتمحور بشأن مطلب الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية وإنهاء الحرب، وهو ما ترفضه إسرائيل.
لذلك، يعتبر أن الحل الوحيد المتاح قد يكون إبرام صفقات جزئية، وهو ما ترفضه حماس حتى الآن.
ولا يبدي شتيرن تفاؤله بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق قبل تولي ترامب منصبه، متوقعا أن تتواصل معاناة الشعب الفلسطيني عند وصوله للسلطة.
ويحذر من احتمال تنفيذ تهديداته من خلال إجراءات مثل تقليص المساعدات الإنسانية للقطاع، استنادا إلى المزاعم الإسرائيلية بأن حماس تستغل هذه المساعدات لصالحها، معتبرا أن من شأن خطوات مماثلة أن تؤثر سلباً على الظروف المعيشية المتردية أصلاً لسكان غزة.