إذا كان ابنك يستخدم الإنترنت فهو واحد من سكان الميتافيرس، يعيش حياة واقعية في المنزل وحياة افتراضية عبر نسخته الرقمية، ويواجه عبر تلك النسخة مخاطر متعددة، منها احتمال التعامل مع خارجين عن القانون.
فالانتماء إلى ذلك العالم الافتراضي ليس عملية معقدة كما يتصور البعض فهو لا يحتاج أكثر من الاتصال بالإنترنت، أما في حالة استخدام أدوات متقدمة مثل نظارات الواقع الافتراضي فإن المسافات تتلاشى بين سكان الميتافيرس.
هناك حوادث تعرض فيها الضحايا لاعتداءات جسدية رغم أن المعتدي كان يبعد عنهم آلاف الأميال، فقد كانت المجني عليها ترتدي درعا للألعاب يهدف إلى تلقيها الإحساس بأجواء اللعبة التي تخوضها نسختها الرقمية.
وهناك بلاغات أخرى في بريطانيا عن حوادث اغتصاب جماعي للنسخة الرقمية ”الأفاتار“ ولكن في تلك الحالات لم تتعرض الضحايا لعنف جسدي لأن الضحية لم تكن ترتدي مثل ذلك الدرع فلحق بها الضرر النفسي كما أصيبت بخيبة أمل عندما عجز القضاء على ملاحقة المعتدين لأن القانون لا يذكر الاتصال الرقمي.
وهناك أحاديث تدور بين الشخصيات الافتراضية عبر منصات الميتافيرس وتثير مخاوف من أن تشمل تحريضا على العنف أو الكراهية أو خطابا عنصريا أو تجنيدا لجماعات محظورة.
وعلى مدار الأعوام الماضية رصدنا كيف أجادت الجماعات المتطرفة استخدام الإعلام بأشكاله التقليدية والرقمية وكيف أن داعش على سبيل المثال روجت لنفسها عبر إنتاج مشاهد هوليوودية وبثتها على وسائل التواصل الاجتماعي.
ومع صعود تقنيات الذكاء الاصطناعي سارعت الجماعات المتطرفة إلى استخدام تطبيقاته واستغلال قدراته في تجاوز عقبات مثل ضيق الوقت وعائق اللغة وقلة الإمكانيات الفنية وضرورة تجنيد محترفي الإنتاج الإعلامي، فقد أصبح أي عنصر قادرا على إنتاج مواد دعائية بلغات مختلفة وجودة عالية في دقائق معدودة وقد تم ذلك بالفعل في محاولات التجنيد بعد تنفيذ هجوم مسرح موسكو في مارس ٢٠٢٤ وانتشرت أيضا مواد تروج لأنشطة داعش في سوريا والعراق الكاميرون ونيجيريا والنيجر، وقد رصدت تقارير غريبة أن عناصر داعش يتبادلون دليلا يشرح استخدام منصات الذكاء الاصطناعي.
باتت الجماعات المتطرفة قادرة على إنتاج نسخ رقمية من زعمائها تحمل أفكاره وتعبر عنها بصوته وصورته وتستطيع الانخراط في محادثات ليبقى هذا المتطرف إلى الأبد لا تغيبه السجون ولا تنتهي حياته بالموت!
أصبح أيضا من السهل إطلاق تطبيق خاص أو برنامج دردشة ينشر الكراهية ويحرض على العنف ويشجع الذئاب المنفردة التي قد تخطط وتنفذ عمليات إرهابية دون الحاجة للتنسيق مع آخرين.
في ٢٠٢١ تسلل المهاجم المسلح جاسوانت سينغ تشيل إلى قلعة ويندسور بهدف اغتيال اليزابيث الثانية ملكة بريطانيا في ذلك الوقت، ووجدت المحكمة لاحقا أنه تبادل خمسة آلاف رسالة مع صديقة افتراضية أنتجها بنفسه عبر تطبيق للذكاء الاصطناعي. أقام المهاجم علاقة عاطفية مع صديقته الافتراضية وحرضته على التطرف وشجعته على تنفيذ خطة اغتيال الملكة.
تسامحت المنصة المالكة للتطبيق مع المحتوى المتطرف الذي يشجع على العنف وكان يفترض أن يفهم ذكاؤها الاصطناعي أن هذا المحتوى يهدد أرواحا ويخالف القوانين ويجب أن يحظر ويمنع صاحبه من استخدام الموقع وأن تحال الواقعة إلى الشرطة، ولكن لم تتخذ المنصة أيا من تلك الخطوات حتى حاول المهاجم الاقتراب من غرفة نوم الملكة.
وإذا كان موقع عالمي معروف قد وقع في هذه الأخطاء وهو يعلم مسؤوليته القانونية فكيف تتصرف المواقع المغمورة؟ ففي انتخابات الرئاسة الأمريكية عام ٢٠١٦ رصدت السلطات مواقع متخصصة في التضليل تستهدف الناخب الأمريكي ويتم إدارتها من مقدونيا ويحقق أصحابها عشرات الآلاف من الدولارات شهريا.
ومن المتوقع أن تكون هناك منصات للذكاء الاصطناعي في مواقع مجهولة وتنشط عليها عناصر تمارس أعمال التحرش والاغتصاب والسرقة وأيضا التجنيد للجماعات المتطرفة.
هناك حاجة ماسة لقوانين تحمّل هذه المنصات مسؤولياتها وتمنعها من تحويل الميتافيرس إلى ساحة جديدة للذئاب المنفردة.