تلتئم القمة الثامنة لمجموعة الدول المتوسطية في الاتحاد الأوروبي (يوروميد) غداً (الجمعة) في مدينة أليكانت الإسبانية الواقعة على الساحل المتوسطي، وسط تحديات استثنائية، أبرزها الحرب الروسية على أوكرانيا التي دخلت شهرها الثامن وما يترتب عليها من تبعات جيو - استراتيجية وعسكرية واقتصادية على المجموعة وعلى أوروبا بشكل عام.
المجموعة التي أطلقت بمبادرة إسبانية - قبرصية في العام 2013 تضم 9 دول. هي إلى جانب الدولتين المذكورتين، فرنسا وإيطاليا واليونان ومالطا والبرتغال وانضمت إليها العام الماضي كرواتيا وسلوفينيا.
وتعد المجموعة 203 ملايين نسمة، فيما يبلغ ناتجها الداخلي الخام 7140 مليار يورو.
والهدف من إطلاق المجموعة التي يجمع بينها الإرث الثقافي اليوناني - الروماني (بعكس دول شمال وشرق أوروبا)، الرغبة في إسماع صوت الجنوب داخل الاتحاد الأوروبي وتوفير منصة تروج لمصالحه وتدافع عن طروحاته والتنسيق بين مكوناته.
ومن المقرر أن يحضر قمة أليكانت رئيس الاتحاد شارل ميشال، ورئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين.
وأمس، قدمت مصادر الرئاسة الفرنسية عرضاً للملفات الرئيسية التي ستدور حولها مناقشات رؤساء دول وحكومات «التسع»؛ حيث يتبين أن أزمة الطاقة التي انطلقت مع بداية الحرب الروسية على أوكرانيا ستشكل محوراً رئيسياً لمباحثات القادة التسعة، وستخصص لها الجولة الأولى، بحضور ميشال وفون دير لاين.
ومن المنتظر، وفق المصادر الرئاسية، أن يتم تناول هذا الملف الحساس الذي فرض نفسه مجدداً مع الاتهامات المتزايدة عقب تسرب الغاز الروسي من خطي أنابيب «نورد ستريم 1» و«نورد ستريم 2» في بحر البلطيق، من زاوية البحث في كيفية بلوغ «السيادة الأوروبية» في توفير أمن الطاقة.
وبالتوازي، فإن المجتمعين سينظرون كذلك في كيفية الوصول إلى وضع حد أقصى لأسعار الغاز على المستوى الأوروبي، فضلاً عن الفصل بين أسعار الغاز وأسعار الكهرباء. وكلها حققت قفزات عالية في الأشهر الأخيرة.
وتعاني الدول الأوروبية المتوسطية وغير المتوسطية من صعوبات في توفير البديل عن الغاز الروسي، ما يدفعها إلى البحث في تقليص الاستهلاك. وأمس، وقّعت 15 دولة أوروبية، بينها كل دول مجموعة «يوروميد» التسع، باستثناء قبرص، على رسالة موجهة إلى مفوضة الطاقة في الاتحاد الأوروبي كادري سيمسون، تدعو فيها إلى التقدم باقتراح فوري لوضع حد أقصى لأسعار الغاز مهما يكن مصدره، روسياً أو أميركياً أو من أي مصدر آخر والعمل به داخل وبين دول الاتحاد.
ويرى الموقعون أن تدبيراً كهذا من شأنه وقف ارتفاع أسعار الغاز وما يستتبعه من تجميد أسعار الكهرباء ولجم التضخم الذي بلغ مستويات لم يعرفها أوروبياً منذ 40 عاماً.
كذلك ستكون التهديدات النووية وتبعات الاستفتاء الذي أجرته روسيا في 4 مناطق أوكرانية وتوقع ضمها إلى روسيا على جدول مباحثات «التسع".
وقالت مصادر الإليزيه إن بياناً أو إعلاناً سيصدر عن المجتمعين يبين موقفهم من توصياتهم من الملفات المتداولة.
ويعتبر الأوروبيون، جماعياً، أن الاستفتاءات الروسية «غير قانونية» ونتائجها «مزيفة".
بيد أن حرب أوكرانيا وأزمة الطاقة ليستا التحدي الوحيد الذي تلتئم في ظله قمة «التسع»، ذلك أن التصعيد المستجد بين تركيا واليونان سيفرض نفسه على المجتمعين، خصوصاً أن الرئيسين القبرصي واليوناني سيكونان حاضرين في القمة، وعلى الرغم من أن الموقف الأوروبي المبدئي يقوم على مساندة أثينا (وأيضاً نيقوسيا). ومؤخراً، أعلن الرئيس اليوناني أن أي اعتداء تركي على اليونان لن يجد اليونان وحدها بوجهه، بل أوروبا بأكملها.
وقالت المصادر الرئاسية الفرنسية إن القادة التسعة يمكن أن يتداولوا في هذا الملف خلال عشائهم الجماعي ليل الجمعة - السبت، وإن نهجهم العام يدعو إلى «احترام القانون الدولي وسلامة أراضي الدول وتوجيه طلب موحد وحازم لتركيا لأن تضع حداً لعمليات الترهيب» بحق اليونان.
وستكون الملفات الإقليمية محور المحادثات المسائية بين القادة الأوروبيين، وهي تتناول سلة واسعة من المواضيع المتعلقة بـ«الجوار الأوروبي»، خصوصاً الجنوبي، سواء أكان ذلك ملف الهجرات غير الشرعية التي لم يتوقف تدفقها باتجاه الشواطئ الأوروبية، أو العلاقات المعقدة بين المغرب والجزائر وتأثير ذلك على إمدادات الغاز الجزائري إلى إسبانيا وأوروبا بشكل عام.
ومن المواضيع التي ستطرح، الوضع في لبنان. وفي هذا السياق، قال مصدر رئاسي إن المشاركين «سيعيدون التأكيد على ضرورة أن تحصل الانتخابات الرئاسية بحيث يتم تجنب الفراغ الرئاسي»، بما له من تبعات على أوضاع لبنان، إضافة إلى «التشديد على ضرورة القيام بالإصلاحات الضرورية التي ينتظرها اللبنانيون والأسرة الدولية والمؤسسات المالية كصندوق النقد الدولي لأن لبنان بحاجة إلى ثقة العالم".
ولم توفر المصادر الرئاسية عرضاً منهجياً للملفات الإقليمية التي ستطرح. لكنها بالمقابل، رسمت خطاً بيانياً للتوجه العام للقادة يقوم على الدعوة إلى توفير الاستقرار السياسي والاقتصادي في الجوار المتوسطي.
وفيما خص تونس تحديداً، قالت المصادر الرئاسية إن تونس «أولوية فرنسية وأوروبية»، وهي «في حالة انتقال ديمقراطي ومؤسساتي، كما أنها تعاني من أزمة اقتصادية بنيوية تزيد الحرب الأوكرانية من وقعها".
وفيما يبدو موقفاً مهادناً للرئيس التونسي قيس سعيد، قالت هذه المصادر إن الأوروبيين «يدعمون ويواكبون السلطات التونسية في جهودها للقيام بالإصلاحات التي من شأنها المساعدة على تعبئة الاتحاد الأوروبي والأسرة الدولية لتقديم الدعم لها".
يبقى أن قمة الجمعة تحل في وقت تعرف فيه إيطاليا تحولات سياسية جذرية يتوقع أن تكون لها انعكاساتها على الاتحاد الأوروبي، وذلك مع فوز تحالف اليمين المتشدد، وعلى رأسه جيورجيا ميلوني رئيسة حزب «إخوان إيطاليا»، متحالفة مع حزب «الرابطة» بقيادة ماتيو سالفيني المناهض لأوروبا، وسيلفيو برلسكوني، زعيم حزب «فورزا إيطاليا».
ويتساءل الأوروبيون، منذ ما قبل صدور النتائج، عن «تداعيات» حكومة يمينية متشددة غير متحمسة للمشروع الأوروبي، ويمكن أن تتحالف مع «المشاغبين» الاثنين، أي رئيس المجر فيكتور أوروبان، ورئيس سلوفاكيا إدوارد هيجير.
ميشال أبو نجم - الشرق الأوسط