ما زالت قضية الهجرة غير الشرعية عبر البحر تحتل واجهة الأحداث شمالًا، ووسط أنباء متضاربة عن انطلاق مركب جديد من شاطئ المنية وعلى متنه ما بين 50 و60 راكباً، ما زالت عكار وطرابلس تلملمان ذيول المأساة التي ألمّت بهما.
مركب جديد معتقل؟!
ما بين الوجهة إلى إيطاليا والإعتقال في تركيا، خرج أمس عشرات الأهالي إلى ساحة العبدة في عكار واعتصموا على الطريق العام لمطالبة الدولة اللبنانية ومدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم وأمين عام الهيئة العليا للإغاثة اللواء الركن محمد خير بالتواصل مع السلطات التركية للإفراج عن معتقلي أحد المراكب الذي قال الأهالي إنه انطلق في السابع عشر من الشهر الجاري باتجاه إيطاليا، وهو غير المركب الذي كان معتقلًا في اليونان ثم رُحّل إلى الأراضي التركية. وبحسب الأهالي، فإن السلطات التركية اعتقلت ركابه الـ 100 وهم الآن في السجون التركية بحسب ما تردهم من اتصالات منهم. وانتقدوا لامبالاة الحكومة اللبنانية ورئيسها ورئيس الجمهورية وكل المعنيين بما يحصل لأبنائهم.
زورق طرطوس الغارق دفع بخبراء في شؤون الإنقاذ البحري والملاحة إلى الإدلاء بدلوهم في مسألة الرحلات من سواحل الشمال اللبناني إلى سواحل إيطاليا، واعتبار ان غرق أي مركب هو أمر حتمي مهما كان وضع الموج. فرحلة مركب صيد من نوع رديء ويحمل ما يفوق 20 طناً من ركاب ومواد، مع مسافة سير تقارب 20 يوماً، أشبه بمجازفة خطيرة وليست برحلة كل ما فيها غير مضمون النتائج.
مهاجرون وتجارب
الرحلات التي انطلقت من الشمال إلى أوروبا أقلت العديد من الشبان ولكل منهم روايته لـ"نداء الوطن"، ويقول المهاجر (ع.م) من عكار:"هاجرنا في مركب حديدي في الشهر الرابع من هذه السنة إلى إيطاليا عبر البحر من الشمال قاصدين السويد وحين وصلنا إلى إيطاليا تم وضعنا في مخيمات، الحركة فيها وخارجها محدودة ومحددة... لدي زوجتي في إحدى الدول الأوروبية التحقت بها بعد ذلك، ولكنني لا أنصح أحداً بالهجرة لا سيما في هذه المراكب الخشبية غير الآمنة إطلاقًا، فأوروبا لم تعد كما في السابق، وليس هناك أموال وأعمال كما يظن البعض، بالإضافة إلى أن الدول هناك تسن العديد من القوانين التي تضيّق الحركة على المهاجر من الدول العربية".
(م.ن) من عكار، مهاجر إلى إيطاليا عبر البحر، ولا اقرباء لديه في أوروبا، يروي بدوره تفاصيل وضعه في مخيم اللجوء هناك ويقول: "نحن هنا في مخيم لجوء أمّنوا لنا الأكل والشرب والإنترنت بانتظار أن يتم بت مصير الإقامة والسماح لنا بالعمل في إيطاليا وهذا أمر قد يطول أو يقصر، ولكن أفرادا من الدولة يطمئنون الى أوضاعنا باستمرار ويسألوننا بعض الأسئلة".
الفلسطينييون الأكثر هجرة
ويواجه لبنان منذ 3 سنوات أزمة اقتصادية غير مسبوقة، صنفها البنك الدولي على أنها الأسوأ عالميا منذ أواسط القرن التاسع عشر، أدت إلى انهيار سعر صرف العملة المحلية وتدهور قيمتها الشرائية، وارتفاع حاد بأعداد العاطلين عن العمل ونسب الفقر. إنعكاسات الأزمة طاولت فئات كثيرة، ولم توفّر الفلسطينيين والسوريين اللاجئين على الأراضي اللبنانية.
ولا شك أن الاوضاع المعيشية الصعبة للفلسطينيين في مخيمات اللجوء في لبنان سبب رئيسي لهجرة أعداد كبيرة منهم. فالمركب الأخير الذي غرق قبالة طرطوس كان على متنه 30 فلسطينيا بحسب مصادر، وقد ذهب العديد منهم ضحايا. يقول أبو مروان وهو مواطن ستيني من مخيم نهر البارد صادفناه عند معبر العريضة: "نحن في المخيم نعيش ولكننا أموات. لا كهرباء ولا ماء ولا اتصالات ولا طبابة ولا فرص عمل، ولا خدمات أو مساعدات عبر الأونروا. أنتظر هنا لمعرفة مصير إبني وقد خرج في المركب بسبب الفقر والعوز هنا".
ويعتبر مؤمن (19 سنة) وهو فلسطيني من مخيم البارد بأن "الفلسطيني في لبنان ميت بكل الأحوال ورغم كل المآسي لن يتردد بالهجرة في اي رحلة مهما كانت النتائج، إذا كانت الدولة اللبنانية لا تريد لنا هذا المصير فإما تعطينا حقوقنا أو تفتح لنا الحدود وأبواب الهجرة لنغادر من هذا الجحيم".
وتشير المعطيات الى أن رحلات الهجرة غير الشرعية بالمراكب لن تتوقف طالما ان الواقع الإقتصادي والمعيشي والإجتماعي في لبنان لا يزال على حاله، وان كانت قد أخذت قسطًا من الراحة في الأيام الأخيرة بسبب التشدد الأمني بفعل تسليط الضوء عليها بعد غرق مركب طرطوس، الا انها ستعود بقوة بمجرد أن تخفت هذه الموجة ويهدأ البحر.
مايز عبيد - نداء الوطن