من الأهداف التخريبية للخطط الشريرة لإسرائيل ضد فلسطين، أن تتحكم فى مقدار فتحة الأفق أمام الفلسطينيين، ولا تُبْقِى لهم، بعد أن تُدَمِّر حياتَهم وسبلَ عيشِهم، إلا أن يغرقوا فى استمرار إلحاحهم على توفير طلبات الحياة الأساسية، مثل وقف قتل مدنييهم، وإدخال المعونات الغذائية ومياه الشرب والإغاثات العلاجية والدوائية وبناء المساكن وإعادة تشغيل محطات الكهرباء والصرف الصحى، وترميم المنشآت ورصف الطرق..إلخ. وكما ترى، فكلها طلبات ضمن الحدود الدنيا لاستمرار حياة البشر، بل وبما يرسخ لدى الفلسطينيين أن هذا لن يتحقق لهم إلا اعتماداً على الخارج، مع الاستسلام إلى شرط موافقة إسرائيل، بما يجبرهم على الإذعان إلى أن إسرائيل هى الوحيدة التى تملك قرار توفير استمرار حياتهم، حتى فى هذه الحدود الدنيا! وعلى أن يستسلموا إلى استحالة أن يعيشوا حياة طبيعية، يتساوون فيها مع بقية الشعوب فى العصر الحديث، بأن تكون لهم دولتهم، وأن يعتمدوا على سواعد مواطنيهم فى إنتاج وتوفير احتياجاتهم، وأن يضمنوا لأبنائهم نظاماً تعليمياً مستقراً، يتخرج فيه الحرفيون والمهنيون، وبإرسال المتفوقين الواعدين منهم للدراسة بالخارج، لتتوافر لمجتمعهم إمكانية الارتقاء بمهارات العمل والإنتاج، وبأن يتمكنوا من توفير خدمات الصحة والأمن، وأن تكون لهم وسائلهم للإعلام التى يتعرفون منها على ما يجرى فى العالم، وينقلون أخبارهم إلى العالم، وأن يستقبلوا سياحاً من كافة أنحاء العالم لزيارة وطنهم وللتعرف على ثقافتهم..إلخ.
إن التورط فى هذه التداعيات لسنوات إضافية سوف يختفى معها الحرفيون والمهنيون الفلسطينيون، وتستمر الدوّامة التى تشد الواقع الفلسطينى مع استمرارها إلى أسفل وإلى الوراء. وهكذا، كما تسعى وتأمل إسرائيل، تتراجع ثم تختفى طلبات الفلسطينيين فى تأسيس دولتهم، وحتى إذا استمرت الطلبات فإن إمكانية تحقيقها على الأرض تصير مستحيلة.
وأما الحقيقة المؤسفة، فهى أن بقاء حلم إسرائيل فى نجاح هذا المخطط الشيطانى، ليس فقط لأن المجتمع الإسرائيلى يزداد تطرفاً، وليس فقط لقوتها العسكرية ومساندتها من دول قوية، وإنما، أيضاً، بل وقبلاً، بسبب الفُرْقَة التى تضرب صفوف الفلسطينيين، والتى لا تزال مستمرة حتى الآن، وليس هناك أمارات تَعِد بإمكانية توحيد الصف!
الأهرام