كل العراق حائر بالمعضلة القانونية والدستورية بين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية، والأسئلة لا تنتهي عن مستوى "العلوية" بينهما بعد أن انفجر الخلاف إثر تمرير سلة قوانين "العفو والأحوال والعقارات"، لكن رجلاً واحداً ربما يعرف جانباً من الحقيقة حول طبيعة العلاقة الدستورية والقانونية بين مجلس القضاء والاتحادية، وهو السياسي فائق الشيخ علي الذي شارك في كواليس حساسة قبل 8 سنوات تتعلق بتشريع قانون مجلس القضاء، ربما ستكون على صلة بما يجري اليوم وقد تحدث على نحو دقيق بشأن العلاقة بين الاتحادية ومجلس القضاء.
بداية الأزمة
وبدأت المشكلة الرئيسية مع قانون العفو، حين مرر البرلمان القوانين الثلاثة بتصويت واحد، وليس بتصويت مستقل لكل قانون كما تنص القوانين، وطلب عدد من النواب إيقاف مخرجات الجلسة عبر إصدار "أمر ولائي"، فاستجابت المحكمة وأوقفت بالفعل، لكن مجلس القضاء اعترض باعتبار أن للاتحادية صلاحية إيقاف القوانين بعد نشرها في جريدة "الوقائع" ودخولها حيز التنفيذ وليس قبل ذلك، لكن المدافعين عن وجهة نظر الاتحادية يقولون إن القانون احتوى عبارة "يُنفذ من تاريخ التصويت عليه"، وهكذا دخلت البلاد في ما يُشبه الفراغ، فمَن له العلوية على الآخر بين الاتحادية ومجلس القضاء؟ إذ لم يسبق أن شهدت البلاد خلافاً بين هاتين الجهتين.
وشارك السياسي فائق الشيخ علي في مرحلة حساسة أسست لجانب من الجدل الحالي، حين كان عضواً للجنة القانونية التي أشرفت على تشريع قانون مجلس القضاء الأعلى عام 2017، ويقول إنه يتذكر جيداً كل المناقشات التشريعية والسياسية التي أدارها بنفسه مع بقية زملائه وبحثت خطورة دور المحكمة الاتحادية، واحتمالية وجود تأثير من خارجها أحياناً على بعض قراراتها المصيرية، وهو ما استدعى وضع بعض الضمانات في قانون مجلس القضاء الأعلى لحفظ شيء من التوازن عند الضرورة، ويبدو أن ما حصل اليوم هو أول تطبيق لتلك الضمانات.
وأضاف "من حيث الدستور.. للمحكمة الاتحادية الكلمة العليا، لكن مجلس القضاء الأعلى بموجب قانونه رقم 45 لعام (2017) له سلطة أيضاً، ويمكن أن أقول بأن القانون والدستور يُسعف بالفعل رئيس القضاء في توضيحه الأخير" الذي طلب فيه المضي بتطبيق قانون العفو، و"أعتقد أن رئيس المحكمة الاتحادية في هذه المحاججة القانونية ليس في الموقف الأفضل".
وسجل الشيخ علي اعتراضه على مجمل العملية، وقال "عادةً.. تُعتبر كل القوانين في العالم نافذة من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية ليطلع الناس عليها وعلى وقائعها ويفهمها القضاة والمحامون والادعاء العام والمواطنون والخصوم من الطرفين، هذا هو المعتاد، والشاذ هو تضمين عبارة (يُنفذ القانون من تاريخ التصويت عليه).. إنها عبارة غير معتادة، وكأنما جاء الأمر الولائي بما يشبه عقوبة لتضمين هذه العبارة الشاذة. إن معظم العمل يجري بالاستثناءات والشواذ وليس السياق الطبيعي".