ضمن قراءة متأنية ومعمقة لتاريخ القضية الفلسطينية وقضية العرب الأولى منذ بدئها قبل أكثر من مئة عام، نجد أنها مسيرة امتلأت بـ اللاءات العاطفية الانفعالية كونها الخيار الأسهل من التفاوض والمضني وحصد المكاسب والأرباح، ومن ذلك رفض قرار التقسيم للجنة بيل الملكية البريطانية عام 37، الذي منح الفلسطينيين دولة مستقلة على ما يقارب 90% من الأرض، ثم رفض قرار التقسيم عام 47، ورفض مشروع بورقيبة عام 65 القائم على مبدأ خذ وطالب، ورفض مشروع السلام مقابل الأرض بعد هزيمة 67،
والذي عكسته لاءات قمة الخرطوم آنذاك، ورفض الانضمام لمشروع السادات للسلام عام 79، الذي انتهى بسلام منفرد استردت خلاله مصر سيناء التي تزيد مساحتها على 3 أضعاف مساحة إسرائيل، واستمر قطار الرفض من دون طرح أي بدائل إبان حقبة الرئيس ترامب الأولى، وما سمي بصفقة القرن ومشروع السلام من أجل الازدهار والذي تضمن 50 ملياراً لإعمار الأراضي الفلسطينية التي لم تكن دمرت آنذاك ضمن مشروع دولتين عربية ويهودية، كما رفض السلام الإبراهيمي عام 2020، الذي قبلت به وطبقته بعض الدول العربية... وكان دائماً الخيار هو الرفض من دون بدائل والتحسر اللاحق لعدم القبول بما عرض!
أعتقد أن أي قمة عربية ستعقد للتعامل مع المتغيرات القائمة يجب أن تضم كلاً من إيران وتركيا كونها متداخلتين بالقضية الفلسطينية، بأكثر بكثير من بعض الدول العربية، ونرجو بدلاً من الرفض المسبق المعتاد من دون بدائل، وهو رفض للمعلومة لا يحتاج لعقد قمة، أن تنظر القمة - لو عقدت - في دعوة كل من الرئيسين ترامب ونتانياهو، حيث لا حلول واقعية ونهائية من دون المرور بهما، وذلك لوضعهما أمام الأساسيات والثوابت وأولها عدم القبول بأن يمر الحل بتهجير أهل غزة والضفة، بل عبر مشروع الدولتين، لتحصد إسرائيل لسلام نهائي مقابل الأرض والدولة للفلسطينيين كي لا يواجه الفلسطينيون بعد الرفض خيارين أحلاها شديد المرارة أي إما العيش المستحيل في ظروف لا يتحملها بشر في غياب خطة إعمار حقيقية وتوافر المدارس والمصحات، وفرص العمل وإما الهجرة القسرية أو الطوعية للخارج لأجل بقاء الأسر ومستقبل الأبناء وحينها سيتم التحسر على ضياع فرص الوصول لحلول هذه الأيام... لقضية جاز تسميتها بقضية الفرص الضائعة!
آخر محطة:
(1) للتذكير... لاءات الخرطوم الانفعالية نتج عنها فصل الضفة وغزة عن الأردن ومصر وترك الفلسطينيين تحت حكم الإسرائيليين وبدء زرع المستوطنات على أرضهم وربط الحياة الفلسطينية بالضفة والقطاع بإسرائيل بدلاً من امتدادهم العربي، وكانت الحكومة العمالية برئاسة ليفي اشكول مستعدة لإعادة جميع تلك الأراضي مقابل فقط إنهاء حالة العداء مع إسرائيل، لاحقاً تم الاعتراف الكامل بإسرائيل وتوقيع معاهدات سلام معها، ولم يحصل العرب إلا على جزء يسير مما كان معروضاً ورفضته قمة الخرطوم 67.
(2) قد يكون وجود الرئيس القوي ترامب في ولايته الثانية واستثماراته وعلاقاته بالمنطقة الخليجية والعربية، فرصة تاريخية لا تعوض فيها لو تمت دعوته للقمة - إن عقدت- والوصول معه لصفقة تبقي الفلسطينيين على أرضهم وتحقق لهم دولتهم وتحصد له جائزة نوبل للسلام التي يطمح لها وهو القادر الوحيد على الضغط على الإدارة الإسرائيلية لإنجاز ذلك الأمر، بل إن وجود نتانياهو وهو في آخر عمره السياسي ولديه من القوة على الأحزاب المتشددة فرصة ذهبية، كذلك للوصول لاتفاق تاريخي نهائي مع الدول العربية وتركيا وإيران أي المحيط الإقليمي لإسرائيل على قاعدة ربح - ربح بدلاً من خسارة - خسارة كي تنتهي مشاكل المنطقة للأبد وينعم الجميع بالسلام الدائم وبدء مشروع أوروبا الجديدة في الشرق الأوسط الذي دعا له سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
(3) وفي حال تشدُّد الرئيسين ترامب ونتانياهو بعد دعوتهما للقمة لا يلوم المجتمعون من عرب وجيرانهم أنفسهم كما حدث مراراً بالماضي.
النهار الكويتية